الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٢٧
ذريتهما النبوة والكتاب) والبداية عند إبراهيم عليه السلام لا تخرج إلا من البداية عند نوح عليه السلام يقول تعالى: (سلام على نوح في العالمين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * ثم أغرقنا الآخرين * وإن من شيعته لإبراهيم) (5) والشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم.
وبالجملة كل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته تقدم أو تأخر (6) (وإن من شيعته لإبراهيم) أي من أهل دينه. وقيل: على منهاجه وسنته (7).
فنوح عليه السلام وذريته من أنبياء الله تصدوا للإستكبار الذي نقب الحجارة وقال من أشد منا قوة؟ وتصدوا للإستكبار الذي تصدى لآيات الله وعقر الناقة فلم تغن عنهم بيوت الحجارة من الله شيئا. وإبراهيم عليه السلام وذريته من أنبياء الله تصدوا للإستكبار الذي انطلق من قلوب أشد قسوة من الحجارة. وتصدوا للإستكبار الذي عقر كل فضيلة من وراء جدر النفس التي استولى الشيطان على ملكاتها. وتصدوا للفتات الآدمي الذي اتخذ إلهه هواه. وإذا كان هنالك وفي عصر نوح وذريته من أنبياء الله فتات رفض بشرية الرسول فإن في عصر إبراهيم وذريته من أنبياء الله. يوجد أيضا هذا الفتات، وهذا الرفض انتهى آخر الأمر إلى اتخاذ الأهواء آلهة. فألوهية الهوى ابن طبيعي لعقيدة رفض الرسول البشر، فالذين رفضوا الرسول البشر لأنهم يماثلونه في البشرية ويملكون من زخرف الحياة ما لا يملكه، ساقهم الشيطان إلى دائرة الأنانية والطمع ثم إلى دائرة حب الذات فدائرة عبادة الذات والهوى. لقد أمسكوا بذيل الدنس الذي رفض السجود لآدم بحجة أفضليته لأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين. والفتات الآدمي بدأ بمقدمة تقول بأنه أفضل من الأنبياء وانتهى بنتيجة من جنس العمل هي عبادة الذات والهوى، فإبراهيم عليه السلام وذريته من أنبياء الله جاؤوا ليحطموا هذه الأوثان الآدمية آخر الزمان بعد أن حطموا حجارتها أول الزمان.
وإبراهيم عليه السلام هو الثاني من أولي العزم وأصحاب الشرائع العامة.
ويقول فيه تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من

(5) سورة الصافات، الآيات: 79 - 83.
(6) الميزان: 147 / 17.
(7) ابن كثير 12 / 4.
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست