ولعل كل هذه المآسي هي التي دفعت بالبعض إلى القول إلى أنه من بين الأحداث التي رأى الباحثون أنها بداية التشيع إنما هو فاجعة كربلاء، ذلك أن السيف اللئيم الذي جز رأس مولانا الإمام الحسين - سبط النبي صلى الله عليه وسلم، وسيد شباب أهل الجنة - إنما قد جز معه وحدة المسلمين إلى اليوم، ومن ثم فإن استشهاد سيدنا الإمام الحسين إنما يعتبر نقطة تحول هامة في التاريخ الفكري والعقدي للتشيع، إذ لم يقتصر أثر تلك الكارثة الأليمة إلى إذكاء نار التشيع في نفوس الشيعة، وتوحيد صفوفهم - وكانوا من قبل متفرقي الكلمة، مشتتي الأهواء - بل ترجع أهمية تلك الكارثة إلى أن التشيع كان قبل استشهاد الإمام الحسين، مجرد رأي سياسي لم يصل إلى قلوب الشيعة، فلما قتل الإمام الحسين امتزج التشيع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم، وبالتالي فقد أصبح عقيدة راسخة في نفوسهم.
وهكذا بينما كان الشيعة بعد وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتعدى طائفة قليلة من الناس، يرون أن الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم وجهه في الجنة - لصفات فيه - أحق الناس بالإمامة وبينما ناصر كثير من المسلمين الإمام علي بن أبي طالب، حينما آل إليه الأمر بعد مقتل عثمان، رضي الله عنه لأنه إمام المسلمين، وأمير المؤمنين - أو لأسباب أخرى - فإن هذه الدماء التي أريقت في كربلاء - وهي دماء آل بيت النبي، وعلى رأسهم الإمام الحسين - إنما قد ركزت الانتباه إلى مدى ما لاقاه بيت النبوة، من اضطهاد وقتل، ومن ثم فقد أصبح التشيع مقرونا " بأحقية آل البيت في الخلافة.