ذلك أن الشيعة قد أدركت بعد هذه الفاجعة الأليمة، أن اقتلاع سلطان الغاصبين من بني أمية وغيرهم، لا تكفي فيه قوة السلاح، إنه إن عز النصر بسلاح الحرب، فلا بد من قوة معنوية تشد أزر القوة المادية، وليس ذلك إلا سلاح الفكر، إذ أن الكلمة أحيانا " أبقى أثرا "، وأشد تنكيلا " بالعدو من السيف، ومن ثم فقد بات لزاما " أن يكون للشيعة مذهب خاص، وإيديولوجية مثمرة في الإمامة، ولن يتسنى ذلك ما دامت تربطهم بأهل السنة وحدة الفكر، وهكذا جعلت فاجعة كربلاء انشقاق الشيعة عن جمهور المسلمين أمرا " مقضيا " (1).
على أن الصورة النهائية لعقائد الشيعة لم تظهر إلى حيز الوجود في أعقاب استشهاد الإمام الحسين مباشرة، وربما احتاج ذلك إلى عشرات من السنين حتى تتبلور هذه العقائد، عير أن الفرق التي تندرج تحت اسم الشيعة - المعتدلين فيهم - إنما قد بدأ ظهورها بعقائدها عقب مأساة كربلاء، منذ بدأت فرقة الكيسانية (2) التي تعتبر أولى الفرق التي ظهرت في التيار العام للحركة الشيعية، على اعتبار أن حركة ابن سبأ لا تدخل في هذا التيار العام، إذ صدرت عن باعث الفتنة، لا عن ينبوع العقيدة، من ناحية، ولأن حركة ابن سبأ إنما تعتبر بوجه عام - أولى حركات الغلاة، لا المعتدلين (3)، من ناحية أخرى، ولأن الشيعة أنفسهم لا يعترفون بها - هذا إن كان هناك من يدعى ابن سبأ حقا " -.
وهكذا يمكن القول إن التشيع كفكرة إنما لاحت في عصر النبوة مع العباس بن عبد المطلب في إلحاحه على الإمام علي بالاستفسار من النبي صلى الله عليه وسلم، عن البيعة والوصية الكتابية فرفض الإمام علي (4)، ولكنها ولدت ولادة صحيحة