هذا ولم تنقض سنتان على مذبحة كربلاء، حتى كانت المدينة المنورة - أي في أخريات عام 63 ه (682 م) - في ثورة حنق جارف، يقتل السدود، ويخترق الحدود، لأن اللئام من بني أمية حملوا إليها خبر مقتل الإمام الحسين، محمل التشهير والشماتة، وضحك واليهم عمرو بن سعيد، حين سمع أصوات البكاء والصراخ من بيوت آل النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت بنت عقيل بن أبي طالب، تخرج في نسائها، حاسرة وتنشد:
ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم درجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم فكان الأمويون يجيبون بمثل تلك الشماتة، ويقولون ناعية كناعية عثمان، وبدهي أنه لا موضع للشماتة بالإمام الحسين، ذلك لأنه إنما قد أصيب - وكذا أخوه الإمام الحسن - وهما يذودان عنه ويجتهدان في سقيه، وسقي آل بيته، ولكنها شماتة هوجاء، لا تعقل ما تصنع ولا ما تقول، وكان أبوهما الإمام علي أمرهما أن اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان، ولا تدعا أحد يصل إليه، وحين قتل الخليفة المظلوم، ثار عليهما، ولطم الحسن، وضرب الحسين، بينما كان هذا الوالي السفيه حيث يعلم الله (1).
وسرعان ما حدثت وقعة الحرة في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين (28 سبتمبر 682 م) فقتل فيها خلق كثير، واستبيحت مدينة الرسول ثلاثة أيام، وأوقع مسلم بن عقبة المري وجيشه من جنود الشام - والمكون من عشرة آلاف فارس، وقيل اثنا عشر ألفا "، أو خمسة عشر ألف