سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم، وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، قال: فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول لك، فإني والله ما كذبت ولا كذبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبي الطريق، فبينا هي كذلك. إذا هي بالقوم تجد بهم راحلتهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه، فقال: أبشروا أنتم النفر، الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما قال، أبشروا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمر أين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسباه وصبرا، فيريان النار أبدا "، ثم قال: قد أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبا " من ثيابي يسعني، لم أكفن إلا فيه، أنشدكم الله ألا يكفني رجل منكم كان أميرا " أو عريفا " أو بريدا "، فكل القوم كان نال من ذلك شيئا "، إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي، من غزل أمي، وأحد ثوبي هذين اللذين علي، قال: أنت صاحبي فلفني (1).
وروى ابن الأثير في الكامل، قال أبو ذر لابنته: استشرقي يا بنية هل ترين أحدا "؟ قالت: لا، فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنوني، فإنه سيشهدني قوم صالحون، فقولي لهم: يقسم عليكم أبو ذر أن لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما نضجت قدرها قال لها: أنظري هل ترين أحدا "؟ قالت: نعم هؤلاء ركب، قال: استقبلي بي