جباهم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وشكا الناس ما يلقون منهم.
فأرسل معاوية إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: إذهب إلى أبي ذر فقل له: أنقذ جسدي من عذاب معاوية، فإنه أرسلني إلى غيرك، وإني أخطأت بك، ففعل ذلك، فقال له أبو ذر: يا بني قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها، فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله، كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا، للذي يقول للفقراء، فكتب إليه عثمان: إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، ولم يبق إلا أن تثب، فلا تنكأ القرح، وجهز أبا ذر إلي، وابعث معه دليلا "، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت، وبعث إليه بأبي ذر (1).
هذا ويختلف الباحثون في الأسباب التي دفعت أبا ذر إلى الإقامة في الربذة، ففي رواية ابن سعد، عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، قال فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) *، وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، قال فقلت: نزلت فينا وفيهم، قال: فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، قال:
فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمت المدينة وكثر الناس علي، كأنهم لم يروني قبل ذلك، قال: فذكر ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبا "، فذاك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر على حبشي، لسمعت ولأطعت (2).
غير أن رواية ابن الأثير في الكامل إنما تذهب إلى أن أبا ذر لما قدم