وأراد معاوية أن يتلطف ويتقرب إليه، فدعاه إلى قصره، وهو قصر ضخم، بناه معاوية في دمشق، لينافس به قصور أباطرة الرومان، وأسماه الخضراء، فقال له أبو ذر: يا معاوية، إن كانت هذه الأبهة من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف (1).
فسكت معاوية على مضض، غير أن أبا ذر سرعان ما سأل: يا معاوية ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ وكان معاوية، وسائر عمال عثمان من بني أمية، يرون أنهم يتصرفون في المال بموجب حق إلهي، بما أن المال مال الله، وهم خلفاؤه على هذا المال.
فلما سمع معاوية سؤال أبي ذر قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألا إن كل شئ لله، ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال أبو ذر:
كأنك تريد أن تحجب هذا المال دون المسلمين، فلا تقل هذا، فقال معاوية: لا أقول إنه ليس لله، ولكني سأقول مال المسلمين (2).
وكان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه، أكثر من قوت يومه وليلته، أو شئ ينفقه في سبيل الله، أو يعده لكريم، ويأخذ بظاهر القرآن * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله * فبشرهم بعذاب أليم) * (3).
فكان يقوم بالشام ويقول: يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوي من نار تكوى بها