قلت ذلك، لقد سائني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني (1).
ولما أفضت الخلافة إلى سيدنا عثمان رضوان الله عليه تنفس الملأ الملكي القديم الصعداء، وحاولوا أن يعيدوا الأمور إلى نصابها القديم، فكانت الثورة التي راح ضحيتها ذو النورين، ولم يفد من الملحة كلها إلا معاوية بن أبي سفيان - وهو طليق ابن طليق، ومن المؤلفة قلوبهم هو وأبوه كذلك، والذي كان على رأس الأحزاب ضد سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم -.
وكانت مهمة عمار - ومن نحا نحوه - أن يحرسوا النظام الجديد، بإشاعة الزهد بين المسلمين، بحيث يصبح طابعا " للدين الجديد، ويقطع الطريق على الأغنياء والأرستقراطيين أن يهدموا الإسلام بمالهم وجاههم، ومن ثم فقد رأينا عمارا " يحتفل بالإمام علي، لأنه كان زاهدا "، ويجعل الزهد زينة الأبرار، كما كان المال زينة الملأ الملكي الذي حاربه الإسلام، وقد روى عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي، إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا "، ولا ترزأ الدنيا منك شيئا "، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعا "، ويرضون بك إماما " (2)، وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك (3)، ومن ثم ما دام زعيم عمار وقدوته (أي الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة): زاهدا "، فأحرى بعمار أن يكون كذلك، فضلا " عن أنه من أهل الصفة (4)، هذا فضلا " عن أنه إنما كان السابقة الشيعية للتقية.