يقول: وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفيناه قدر طاقتنا، والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك: أنه لا تتم دعوة في الدين والملك، إلا بوجود شوكة عصبية، تظهره وتدافع عنه من يدفعه، حتى يتم أمر الله فيه. وقد قررنا ذلك بالبراهين القطعية، وعصبية الفاطميين - بل وقريش أجمع - قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش، إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبين، من بني الحسن وبني الحسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون الآفاق من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدي، فلا وجه لظهور دعوته، إلا بأن يكون منهم، ويؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه، حتى تتم له شوكة وعصبية وافية، بإظهار كلمته وحمل الناس عليها.
وأما على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة، إلا مجرد نسبة في أهل البيت، فلا يتم ذلك، ولا يمكن، لما أسلفناه من البراهين الصحيحة (1).
وفي العصر الحديث نرى الأستاذ أحمد أمين في ضحى الإسلام، والنشاشيبي في الإسلام الصحيح، يعدون أحاديث المهدي من الأساطير، كما عده سعد محمد حسن أثرا " من آثار الشيعة، التي تسربت إلى أهل السنة، وعملت العقلية السنية فيها بالصقل والتهذيب.
غير أن موقف هؤلاء الباحثين، إنما هو قائم على الزمن من ناحية، حيث مر أربعة عشر قرنا " على ظهور الإسلام، وعلى التفكير الوضعي الحديث، الذي ينكر الحكم الثيوقراطي (الديني) من أساسه، من ناحية أخرى، غير أن هذا لا ينفي أنها كانت، وربما لا تزال، عقيدة في قلوب الكثيرين، وأنه في عهود الظلم