ثم إن الإسلام لم يكتف بإتاحة الولاء تقية للمغلوبين على أمرهم من أرستقراطي المدينة - وكانوا يعرفون صراحة بالمنافقين - وكان الإسلام يتألف قلوبهم بالمال، وجعلهم إحدى الطوائف الثماني التي لها نصيب من أموال الصدقات - كما تشير إلى ذلك الآية 60 من سورة التوبة - وقد ظل المنافقون يقبضون أموال الصدقات هذه إلى أن ألغى عمر بن الخطاب نصيبهم، حين قوي الإسلام، وأحس بأن في ذلك تقليلا " من هيبته، وتلك إمارة على إتاحة الإسلام تقية حتى للأرستقراطيين السابقين (1) ولو أخذنا غنائم غزوة حنين كمثال لما كان يعطيه الإسلام للمؤلفة قلوبهم، لرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي المؤلفة قلوبهم أول الناس، فيعطي أبو سفيان بن حرب مائة من الإبل وأربعين أوقية فضة، فيطلب مثلها لولده يزيد، وحين يعطيه رسول الله ما أراد، يطلب مثلها أيضا " لولده الثاني معاوية بن أبي سفيان، فيعطيه الرسول كذلك مائة من الإبل، وأربعين أوقية فضة، ثم يعطي رجالا " من بني عبد الدار وبني زهرة وبني مخزوم.
وأعطى الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف كل منهم مائة من الإبل، وأعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل، فقال في ذلك شعرا "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقطعوا لسانه عني، فأعطوه مائة من الإبل، وقد أعطي كل ذلك من الخمس، كما أعطي غيره كثير (2).