والقعود عن القتال كفر، ومن ثم فقد انصرف زعماء الخوارج وأتباعهم إلى نجدة الحروري الذي قتل على أيام عبد الملك بن مروان (65 - 86 ه / 685 - 705 م)، وكان نجدة يرى أن التقية جائزة، واحتج بقول الله تعالى * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * (1)، وبقول الله تعالى: * (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) * (2).
وقال: القعود جائز، والجهاد - إذا أمكنه - أفضل، قال الله تعالى * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا " عظيما ") * (3).
وقال نافع: هذا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حين كانوا مقهورين، وأما في غيرهم - مع الإمكان - فالقعود كفر، لقول الله تعالى: * (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) * (4).
ومع ذلك، فلقد رسخت التقية في بيئة الخوارج، إلى حد أن صار النقاش - بعد نافع - يدور حول كونها: هل تطبق التقية في العمل أو في القول أو في كليهما، فرأينا الضحاك - وهو رئيس فرقة من الخوارج، وقد قتل عام 128 ه (746 م) - يرى أنها تجوز في القول، دون العمل، وكان أسلافهم النجدات يرونها: جائزة في القول والعمل، وإن كان في قتل النفس (5).
هذا فضلا " عن أن الخوارج إنما هم الذين ابتدعوا مصطلح دار التقية ودار العلانية، وأن دار مخالفيهم إنما هي دار كفر، وكانوا يعنون بدار التقية: المواطن التي يغلب عليها غيرهم من المسلمين، فبينوا لنا مدى