هكذا قرر الإسلام، وقرر نبي الإسلام مبدأ التقية، بوصفها وسيلة لحماية النفس، من خطر يودي بها من غير طائل، حتى قال ابن حزم: وقد أباح الله عز وجل كلمة الكفر عند التقية، وأباح بها الدم في غير التقية (1).
ولعل من الجدير بالإشارة إلى أن تخيير الإسلام للكفار المقهورين بين الإسلام أو السيف أو الجزية، تدخل في باب إقرار التقية، فليس خافيا " على الإسلام وشارعه أن الدخول في الدين الجديد على هذه الصورة تحت حد السيف، أو ما لا يمكن توفيره من مال، يعني دفع كلا الضررين، بتحمل أهون الثلاث، وهو الدخول في دين القاهرين، فلا يمكن أحدا " أن يتصور أن معتنق الإسلام - وعلى هذه الصورة - جاد في إسلامه، اللهم إلا إذا رأى فيه الروح مما كان يعاني، شأن المسلمين الأولين، وذلك أمر يدخل في باب الحدس والتخمين.
ومن ثم لم يبق إذن، إلا أن يكون الإسلام مؤمنا " بمبادئه ومثله، واثقا " من تأثيرها في الناس، إذا أتيح لهم أن يزنوا الأمور، ويجربوا الحياة الجديدة - ولو بالإكراه أولا " - فهو من هذه الناحية أنما يغري بالتقية، ويقدمها إلى الجاهلين به، ثقة منه في كسبهم، متى آمنوا، واطمأنوا، فتفادي القتل والجزية، والدخول في الإسلام بالفتح، إنما هو مبدأ إسلامي حمله الإسلام إلى المغلوبين، لإغرائهم باعتناقه، فهذه تقية لا جدال فيها، كما يبدو.