ثم بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حول القبر، وبقي كذلك إلى أن بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا، لئلا يتمكن أحد من استقبال القبر.
هذا ولم تزل الحجرة مزارا للمؤمنين معاذا للائذين.
ومن أحاط خبرا بتاريخ السلف وترجمة أحوال مهاجري الصحابة علم أنهم كانوا كثيرا ما يقصدون المدينة لإدراك زيارة الحجرة المنورة.
ولولا خوف الإطالة لأتيت على ذكرهم ولملأت هذا الكراس من تراجمهم.
هذا، ولم ينكر عليهم لا الشيخان ولا كبار الصحابة بشئ.
وهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام أتى بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووقف على قبره الشريف، وخاطبه بقوله: (طبت حيا، وطبت ميتا... إلى قوله: بأبي أنت وأمي أذكرنا عند ربك، واجعلنا من بالك وهمك...) إلى آخر كلماته.
ووقف أيضا يوم دفنه فاطمة عليها السلام على قبره، وخاطبه بقوله: (السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة بفنائك، البائتة في الثرى ببقعتك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي...) إلى آخر كلماته.
وهذا حسين بن علي عليهما السلام سبطه وفرخه، لما أراد المسير إلى العراق، أتى قبر جده وضريحه ثلاثة أيام، زائرا مودعا داعيا مصليا، سائلا منه التكليف لأمره وحرمه وصحبه، مخاطبا إياه بقوله: (يا جداه أنا الحسين بن فاطمة، فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلفته في أمتك).
هل ترون أنه كان بذلك مخاطبا للأموات؟
أم كان يسأله من أمره وتكليفه؟
ولم يزل حتى أجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (أخرج إلى العراق، فإن الله شاء أن يراك قتيلا...) إلى آخر ما أجابه من أمر حرمه وعيالاته.