فلا فرق بين طلبها من الحي أو الميت فلو طلب من الحي ما لا يقدر عليه إلا الله لكان شركا عنده وقوله وأما بعد مماته فحاش وكلا الخ يدل على عدم جواز طلب شئ من الميت مطلقا ولو كان مما يقدر عليه غير الله كالدعاء والشفاعة وهو تناقض ظاهر فتارة جعل المناط عدم قدرة غير الله وتارة الحياة والموت والغيبة والحضور. كما أن تقييد الصنعاني بالأحياء مشعر بعدم جواز الاستغاثة بالأموات حتى في المقدور. وكيف كان فقد عرفت أن التفصيل بين ما يقدر عليه غير الله وما لا يقدر عليه إلا الله لا يرجع إلى محصل بعد ما كان المراد سؤال الدعاء وطلب الشفاعة المقدورين فكما أن استغاثة الناس بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف واستغاثة المسلمين بهم في الدنيا يريدون منهم أن يدعوا لله ويشفعوا عنده حتى يقضي حوائجهم وهذا أمر مقدور لهم بعد مماتهم ومن ذلك يعلم فساد تفرقته بين استغاثة إبراهيم بجبرائيل عليهما السلام لو فعلها واستغاثتنا بالنبي " ص " بأن الأولى استغاثة في أمر مقدور بخلاف الثانية لأن الثانية هي أيضا في أمر مقدور وهي طلب الدعاء والشفاعة وليس فيها عبادة وشرك لو كان يفقه. كما أن التفصيل بين الاستغاثة بالأحياء والاستغاثة بالأموات ولو في المقدور لغير الله تحكم محض لم يأت الصنعاني عليه بدليل ولم يزد ابن عبد الوهاب في دليله على قوله فحاش وكلا إنهم سألوا ذلك بل أنكر السلف على من قصد دعاء الله عند قبره فضلا عن دعائه نفسه وهي دعوى مجردة عن الدليل لم يأت عليها بشاهد ولا أثر مروي بل عرفت أنها دعوى كاذبة وإن الأمر بالعكس فإنهم أنكروا على من لم يدع الله عند قبره ولم يستقبله في دعائه ويتوسل به كما وقع لمالك إمام دار الهجرة مع المنصور العباسي وإن سيرة السلف والخلف دعاء الله تعالى عند قبره الشريف والتبرك به فمن هم السلف الذين يزعم ابن تيمية وابن عبد الوهاب أنهم أنكروا على من دعا الله تعالى عند قبر النبي " ص " وهل مالك إمام المذهب وإمام دار الهجرة الذي قيل فيه لا يفتي ومالك في المدينة والذي قال فيه الإمام الشافعي حجة الله على خلقه لا يعد منهم فظهر بذلك أن ما قاله افتراء على السلف وأنه لا فرق بين طلب الدعاء منه " ص " في حياته وبعد وفاته وأن التفرقة بينهما محض جمود أو عناد وأن ما هو شرك لا يمكن أن يكون توحيدا وبالعكس.
(٢٤٩)