في الآية ظاهرة في المساواة، ومن يدعو النبي " ص " ليدعو الله له ويشفع إليه في حاجته لم يدعه مع الله ولم يساوه به بل في الحقيقة دعا الله الذي أمر بطلب الدعاء من الغير وجعل له الشفاعة وليس المراد بالمعية مجرد المشاركة في الوجود وإلا لحرم دعاء غير الله في المساجد أو مطلقا مع الله بأن يقول يا الله اغفر لي ويا فلان اسقني ماء وحينئذ فقول يا محمد ادع لي الله أو أشفع لي عنده الذي هو في معنى ادعه لا يزيد عن قوله يا فلان اسقني ماء. وبعبارة أخرى: معنى مع الله أن يكون دعاؤه في عرض دعاء الله لا في طوله. والأصنام لو فرض أن دعاءها ليس كذلك فالله نهى عن دعائها بكل حال لأنها جماد ولأن دعاءها خلاف على الله وتكذيب للرسل. ودعاء باقي المعبودات كعيسى والملائكة والجن هو مثل دعاء الله قطعا فعيسى (ع) اتخذ شريكا في الربوبية والملائكة والجن اعتقد أن لهم قدرة وتأثيرا مع الله كما مر.
أما قوله تعالى (له دعوة الحق) " الآية " فمعناه والله العالم إن المدعو بحق هو الله تعالى وما يدعون من دونه من حجر أو شجر أو نبي يعتقدون إلهيته كعيسى فيدعونه ليرزقهم ويدخلهم الجنة ويفعل معهم فعل الرب مع عبيده أو ملك أو جني يعتقدون أن له تأثيرا مع الله أو شفاعة اضطرارية أو غير مردودة أو نحو ذلك لا يستجيبون لهم أما الأحجار والأشجار فلأنها جماد لا تقدر على شئ سواء كانت على صورة صالح أو لا لأن الدعاء والشفاعة للصالحين لا لصورهم وأما من يدعى فيه الإلهية أو التأثير مع الله من ملك أو جني فلأنه ليس إلها أو لا تأثير له ولا يبعد أن يكون المراد الأصنام خاصة وأن تكون واردة في مشركي قريش ولذلك شبه حالهم بباسط كفيه إلى الماء يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه، وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم وأين ذلك من طلب الدعاء من الصالحين الذين أمر الله بطلب الدعاء منهم ودلت الآيات والأخبار على حياتهم بعد الموت وقدرتهم على ذلك وسؤال الشفاعة منهم التي جعلها الله لهم وأخبر أنهم قادرون عليها وبذلك ظهر جليا أن قياس دعاء الصالحين على دعاء الأصنام والأوثان وعيسى ومريم وغير ذلك قياس باطل وتوهم فاسد.