تعالى جعل النبي (ص) شافعا ومشفعا كما دلت عليه صحاح أخبارهم لكن لا بلا قيد ولا شرط فقد يتشفع به أحد ويشفع له وقد لا يشفع له لأنه ليس أهلا للشفاعة أو لأن الله لم يأذن له أن يشفع فيه وقد يأذن له في الشفاعة وقد لا يأذن والأمر كله لله تعالى. نعم كلهم يطلبون منه الشفاعة التي هي نوع من الدعاء رجاء أن يشفع فيشفعه الله وليس ذلك حتميا قطعيا فجعل ذلك كالاعتقاد في الأوثان التي ثبت بصريح العقل ونص الشرع عدم قدرتها على الشفاعة والدعاء وعدم جواز طلبها منها خطأ واضح فما فائدة هذا التقييد؟ أبمثل هذا تستحل دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
ومما ذكرنا يعلم أن قولهم في الكتاب إلى شيخ الركب المغربي بعد ذكر آية ويعبدون من دون الله " الآية ". فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم، تقول على الله وافتراء عليه فالله تعالى في هذه الآية أثبت لهم شيئين عبادتهم الأصنام وقولهم هؤلاء شفعاؤنا وأخبر أنهم أشركوا ولم يخبر إن عبادتهم هي طلب الشفاعة ولا أن طلبهم هو الشرك بل أخبر بأن عبادتهم الأصنام غير قولهم ذلك لاقتضاء العطف المغايرة كما مر وقد أبطلوا في كتابهم المذكور احتجاجهم بآية أن الشفاعة لله جميعا بذكرهم معها الآيات الآخر تفسيرا لها وهي من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.
لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا. فبينت أن معنى كون الشفاعة كلها لله أنها لا تكون إلا بإذنه وليس لأحد أن يشفع قهرا عنه وبدون رضاه ويلجئه إلى قولها حياء أو خوفا أو غير ذلك كما يقع بين المخلوقين لا أن معناها عدم جواز طلب الشفاعة ممن له الشفاعة. أما ذكرهم في جملة الآيات المستدل بها على إبطال طلب الشفاعة من غير الله آية فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم فغريب لأن هذه الآية لا ربط لها بطلب الشفاعة وإنما تدل على عدم قبول عذر أو توبة بعد الموت من الظالمين. ولكن هؤلاء يظنون أن تكثيرهم لسرد الآيات يدل على أنهم شديدو التمسك بالقرآن. أما قولهم وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد بعد ذكر آية فيومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا، فنعم هو والله لا يرضى إلا التوحيد ولا تكون الشفاعة إلا لأهل التوحيد كما أنه لا يرضى بنسبة الشرك إلى أهل التوحيد لطلبهم الشفاعة ممن جعل الله له الشفاعة ولا ينفع الناسبين تسمية أنفسهم بالموحدين. أما قولهم: فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله فإذا كانت حقا فما المانع من طلبها أفيجعل الله طلب الحق باطلا وشركا، تعالى