الشرك والكفر من إنكار الرسل والشرائع والعبادة للأصنام بغير ما ذكر كما بيناه غير مرة وتعليل الصنعاني وغيره كون اتخاذ الشفعاء شركا بأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه فاسد فإن قوله إلا بإذنه مثبت للشفاعة فكيف يكون اتخاذ الشفعاء الذين جعل الله لهم الشفاعة وأذن لهم فيها شركا. وقوله: فكيف يثبتون شفعاء لهم لم يأذن الله لهم في شفاعة ولا هم أهل لها، رد عليه فاتخاذ الشفيع الذي ذمهم الله عليه هو اتخاذ حجر أو شجر أو صورة شفيعا مع أن الله لم يجعل لها شفاعة ولا هي أهل لها أما الأنبياء الذين أثبت الله لهم الشفاعة التي هي نوع من الدعاء كما عرفت وجعلهم أهلا لها كما تواترت به الأخبار ودل عليه قوله تعالى (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى. من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه. ما من شفيع إلا من بعد إذنه. يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا. ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له. لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) قال البيضاوي: عهدا من الإيمان والعمل الصالح أو إذنا فيها " انتهى " (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) في تفسير البيضاوي: إلا من شهد بالحق بالتوحيد، والاستثناء متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله لاندراج الملائكة والمسيح فيه ومنفصل إن خص بالأصنام " انتهى " فهذه الآيات مثبتة للشفاعة جزما مع إذن الله ورضاه ولسنا نطلب منهم أن يشفعوا لنا قهرا وحتما على الله ومثبتة لشفاعة من اتخذ عند الرحمن عهدا ومن شهد بالحق فلا ذم على طلب الشفاعة منهم ولا شرك فيه.
وظهر من ذلك بطلان قول الصنعاني إن الاعتقاد في حي أو ميت أنه يقرب إلى الله أو يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع والتوسل إليه تعالى شرك كالاعتقاد في الأوثان، وقوله بمجرد التشفع لا يظهر له معنى ولا للتقييد به فائدة فإنه إن أراد منه أنه يشفع بغير إذن الله ويجبر الله على قبول شفاعته فهذا لا يعتقده مسلم ولا يقول به أحد فما فائدة هذا التقييد وكيف رتبوا عليه استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم. نعم لا يبعد أن يكون عبدة الأصنام يعتقدون مثل ذلك في أصنامهم وأوثانهم كما بيناه في غير هذا الموضع وإن أراد أنه يشفع بمجرد التشفع ويشفعه الله لأن الله أذن له إذنا عاما في الشفاعة عندما يتشفع به أحد ووعده قبول شفاعته لكل من يتشفع به فهذا أيضا لا يعتقده أحد من المسلمين وإن كان ممكنا وجائزا إن دل عليه النقل وإنما يقولون إن الله