مسؤولية البيت وأغنته عن طلب المعاش حتى يكون مع ربه في خلوته وتحنثه، وكلما عاد إليها شجعته وزودته بكل ما يحتاج إليه في صبر، وصدق وثقة، ووقفت إلى جانبه برقة مشاعرها وعواطفها الكريمة المتدفقة، حتى في لحظات الخوف وهو يتلقى أمر الله وكلماته، جاء موقفها العظيم وعونها الكبير فهدأت من روعه، وسكنت من خوفه، فقالت قولتها المشهورة:
" كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " (1).
إنها كلمات عظيمة لامرأة عظيمة، وموقف شجاع لامرأة حكيمة عاقلة..
ولم تكتف بالتأييد والتثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم على ما رآه وسمعه، بل ذهبت به إلى ابن عمها ورقة، حتى إذا قص عليه ما كان قد فاجأه من أمر الملك حين جاءه في غار حراء، وما سمع وما رأى وما عانى من وطأة اللقاء الأول بين السماء والأرض على حين فترة من الرسل، قال ورقة:
" أبشر يا ابن أخي، هذا هو الملك الذي أنزله الله على موسى، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك من مكة " وكانت إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعجب واستغراب: " أو مخرجي هم "، فرد ورقة بن نوفل: " نعم لم يأت نبي قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا " (2).