حسن الطلعة، سمح المحيا، يألف الناس ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ويلقى الناس دائما بوجه صبيح حسن، ويحدثهم بأعذب الحديث، وأطيب الكلم.
كان على شبابه لا يخالط اللاهين (1) ولا يشارك العابثين، ولا يرد حيث يعاتب أو يلام، يتكلم نزرا، وينطق فصلا، ولا يقول هجرا ولا لغوا، ترعاه العيون بهاء وعزة، وتحوطه القلوب، إجلالا ومردة، وتتمنى كل أم أن يكون لها ابنا، أو يكون لها مثله، وتود كل كريمة من كرائم مكة أن يكون لها حليلا، وهو عن أ صنامهم مشغول بفكر يتأمل، وعن أنصابهم وأزلامهم محجوب بقلب أبي، وعقل ذكي، وروح قوي، وقد عرفوا من صدقه وبره، ويمنه وفضله ما جعلهم يرجعون إليه في مهم أمرهم إذا التبست الآراء، ويقبلون حكمه على حداثة سنه إذا اختلفوا في أمر عظيم.
وتهيأت تجارة خديجة لرحلة تاريخية تقصد بصرى، وقد ذكر غير مجهول - محمد بن عبد الله الهاشمي - ليقوم في تجارتها فأثنت ورحبت ووعدت وأضعفت، وأرسلت معه مولاها ميسرة خادما ومعينا، وأوصته أن يرصد لها حاله، ويعرف لها ما تحب أن تعرفه من شأنه فارتحلا بالقافلة.
وكل يوم يرى ميسرة عجبا، من صدقه وبره، وأمانته وكرامته، ويشهد الأعاجيب من بركة يده في المطاعم والمشارب، ويمن نقيبته في البيع والشراء، وتلك الغمامة التي تقفو أثره تظله، وتقف على رأسه إن جلس. وتلك الشجرة التي حنت عليه بجذعها، وانعطفت إليه بظلها،