بعون ولا مساعدة ولا يعرضون عليهم طعاما ولا شرابا، حتى يموتوا جوعا ويهلكوا ظمأ أو يسلموا محمدا للقتل والهلاك "، ولم يتأخر أحد من عظماء مكة عن الموافقة على هذه الصحيفة، بل لقد رضي بكل ما فيها كبراؤهم ووقع عليها سادتهم ورؤساؤهم ثم علقوها في جوف الكعبة مبالغة في الظلم وإسرافا في الطغيان. وحوصر بنو هاشم وبنو المطلب في الشعب وقاطعتهم قريش حتى أجهدهم الجوع، وأهلكهم الظمأ، واستولى عليهم اليأس والقنوط (1)، ولم يفت السيدة خديجة أن تشارك الرسول في محنته القاسية وأن تقاسمه في بلائه العظيم فوقفت إلى جواره في داخل الشعب تجوع كما يجوع المسلمون وتقاسي ما يقاسونه من الويل والعذاب والبؤس والشقاء مع أنها سليلة مجد وربيبة نعمة ولا عهد لها بهذا الشقاء ولا بتلك الخشونة، ولا يمكنها أن تصبر على هذا البلاء، أو تحمل هذا العناء، فقد قاربت على الستين من عمرها أو تزيد عليها قليلا ولكنها أبت إلا أن تنصر محمدا نبيا وتؤازر زوجها رسولا، مهما كانت التضحية والفداء، ولقد دام هذا الحصار ثلاث سنين، وكانت في أثنائها من أقوى الناس إيمانا، وأشدهم عزما، وأكملهم يقينا، وأقربهم إلى رضوان الله. وأقدرهم على التضحية وأصبرهم على البلاء.
والذي لا شك فيه أبدا أن السيدة خديجة كانت من أجل نعم الله على رسوله، فقد هيأها الله عز وجل لتخفف عنه أعباء المهمة الصعبة والحمل الثقيل في دعوة العرب إلى الإسلام، فتثبته وتواسيه وتنصره، وتشد عزيمته، وتبعث الأمل على نبيه بها، وواساه بأجمل المواساة حين ظن أن