وفي ذلك أيضا تقول الدكتورة بنت الشاطئ: " هل كان لزوجة عداها أن تستقبل دعوته التأريخية من غار حراء بمثل ما استقبلته هي به من حنان مستثار، وعطف فياض، وإيمان قوي، دون أن يساورها في صدقه أدنى ريب، أو يتخلى عنها يقينها في أن الله غير مخزيه أبدا؟ وهل كان في طاقة سيدة غير خديجة غنية مترفة منعمة أن تتخلى راضية عن كل ما ألفت من راحة ورخاء على أفدح ألوان الأذى وصنوف الاضطهاد، في سبيل ما تؤمن بأنه الحق، كلا بل هي - وحدها - ولا امرأة غيرها التي أعدتها الأقدار لتملأ حياة الرجل الموعود بالنبوة، وتكون لليتيم أما، وللبطل ملهمة، وللمجاهد ملاذا وسكنا وللنبي المبعوث ثقة وطمأنينة وسلاما ".
يقول ابن إسحاق: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسمع شيئا يكرهه، من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج عنه بخديجة رضي الله عنها إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رضي الله عنها " (1).
فقد كانت السيدة خديجة تروح عن قلبه الهموم، وتذهب عن صدره الأحزان (2) بما لها من كياسة وفطنة، وبما وهبها الله من رفق ولين على أنها رضي الله عنها لم تسلم من أذى الكفار ولم تنج من شرور المشركين بل لقد نالت من عنتهم حظها وأخذت من شرورهم نصيبها.
دخلت مع المسلمين شعب أبي طالب، فقد أبى الكفار إلا أن يشعلوها حربا حامية لا رحمة فيها: " إن على قريش أن تقاطع بني هاشم فلا يبيعون لهم ولا يشترون ولا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم ولا يتقدمون إليهم أبدا