الوحي لن يعود إليه وقد أبطأ عنه، وأن الله عز وجل قد ودعه وقلاه، فذكر في جملة ما ذكر من نعمه عليه فضل خديجة التي أغنته بمالها عن طلب المعاش، وهيأت له ظروف التفرغ للدعوة إلى الله حتى يبلغ رسالته:
(والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى. وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى. ألم يجدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى. ووجدك عائلا فأغنى).
وإذا كان الأمر على هذا فكيف لا تكون خديجة أحب أزواجه إليه، يذكرها بالحب والرضى، ويخصها بالمنزلة العالية، حتى غارت زوجاته منها وهي ميتة، إنها الزوجة التي عاصرت أشد الظروف قسوة على الرسول الكريم، وأصعب المواقف والأزمات، فنصرت الله ورسوله بمالها ونفسها، وصبرت على الأذى الشديد فما وهنت عزيمتها، ولا لانت قناتها، وظلت تبعث الأمل في قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى آخر حياتها، وكان من أشد ما صبرت عليه حصار الشعب، وتطليق ابنتيها رقية وأم كلثوم حين أمر أبو لهب ابنيه بتطليقهما إمعانا منه في الكيد للنبي صلى الله عليه وسلم، والأذى له (1).
وقد جاء جبريل بالبشرى لها ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب جزاء صبرها وجهادها، وإخلاصها لدينها:
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه أدم أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
فأخبر الرسول السيدة خديجة بما قال جبريل فقالت: " الله هو السلام (2)