ودهشة الراهب الذي رأى ذلك فسأل ميسرة عن هذا المستظل الكريم - وقوله ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي.
وتمضي أيام الرحلة يحسبها ميسرة خفاقا ندية، لا يضنيه سعيها، ولا يوحشه ليلها، لما يجد من الأنس برفقة هذا الفتى الذي سمته مكة الصادق الأمين، ورآه هو ورأى منه ما ملك عليه قلبه وحير عقله، فهو لا يحلف باللات والعزى كما يحلفون، بل ولا يحلف في بيع ولا شراء حتى يروج تجارته، وكم رأى من التجار قبله من لجاجة وحلف وهو سمح في بيعه وشرائه واقتضائه، بشوش في نظرته ولقائه، محبب لدى كل من يجالسه أو يخالطه أو يبايعه.
يأخذ النفس منه جلال هادئ، ووقار وسماحة، وكأن قوله خرزات من الدر سلكت في نظام - فلا تجد فيها هجرا ولا فحشا ولا تطاولا.
ويوم عادت القافلة سبق ميسرة إلى مولاته يبشرها فأطلت مع نسائها من علية لها فرأت محمدا على ناقته في قائم الظهيرة - ومن خلفه القافلة تتهادى.
أتراها سعيدة بعودة هذا الفتى الهاشمي النبيل سالما غانما، أم تراها محبورة بأنباء الربح المضاعف والمتجر الفاخر الذي عاد به.
وميسرة يقول ما عنده (1) ويحدث بما رأى وما سمع وعن الربح والمال - والرحلة وعجائبها، ولكن قلب خديجة الطاهرة وعينها الساهمة لا