ومنه السلام وعلى جبريل السلام " (1). وكفى بذلك منزلة وتكريما ولو أن الله مد في عمرها وبسط لها في أجلها لظهر من مكارمها ومن محامدها أضعاف ما عرفه الناس وسجله الخلود ولا أكون مبالغا إذا قلت أنها ماتت شهيدة الإسلام وضحية الجهاد إذ أنها لم تخرج من الشعب إلا وهي معتلة الجسم منهوكة القوى، ولم تزل بها علة تنال من جسمها وتهد كيانها وتوهن من عزمها حتى لقيت ربها طاهرة مطهرة وراضية مرضية، ففي رمضان من السنة العاشرة بعد البعثة فاضت روحها إلى بارئها تحفها الرحمة ويتنزل عليها الرضوان.
وكان النبي إلى جانبها ينظر إليها وهي تجود بنفسها وتودع بناتها، وكانت رقية يومئذ في الحبشة مع زوجها عثمان، وألقى صلى الله عليه وسلم على وجهها السمح نظرة أخيرة، ودع فيها الأم الحنون، والزوجة البارة، والشريك الحبيب، وكأنما ودع بوداعها الحياة بكل ما فيها من هناء وصفاء، فبكى فراقها كثيرا ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بدفنها في الحجون ونزل معها في قبرها، ثم عاد إلي البيت ليشارك بناته الثلاث مرارة الحزن وحرارة الفراق (2).
هذه هي خديجة إذا - رضي الله عنها - التي يودعها الآن في مثواها