تجد في وجدانها ولا لمحاتها إلا شخص محمد يسعى على مهل حتى يحط في ساحة دارها - ويلتفت محييا مغضيا.. وهي تلقاه في بهجة تفيض بها روحها وبشر يسبق تحيتها وترحيبها ومباركتها بسلامة العودة، ويمن القفول، ويوجز لها في بشاشة أنباء سفرته وعائد تجارته، ويؤدي إليها ما استودعته من مالها وتجارتها - ثم يمضي مودعا - غير مستأن.. ومن ورائه كل مشاعرها تصحب خطاه وظله، وتتمنى لو أطال المقام ولو قليلا، وتود أن تدعوه إلى شئ من ذلك لولا الحياء، وخديجة من أسرة تهتم بالشرف، وفي رجالها من كان متحنفا مطلعا على ما في التوراة والإنجيل، يترقب ظهور نبي قد أظل زمانه، ويوشك أن تشرق أنواره، يبعثه الله من ولد إسماعيل.
ومن مآثر أبيها أنه تصدى لآخر ملوك تبع، ومنعه أن يأخذ الحجر الأسود يوم حاول تبع أن يأخذه إلى اليمن.
وكانت خديجة ذات تصون وحياء، وكانت تتحرج مما كانت عليه قريش وقبائل العرب من عبادة الأصنام والأوثان، التي عرفت من ابن عمها ورقة بن نوفل أنها لا تضر ولا تنفع، وأنها تخالف ما في الحنيفية الأولى التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، كما تخالف ما ورد في التوراة والإنجيل من التوحيد الخالص لله الواحد الأحد، فهي ترقب مع ابن عمها ورقة ظهور نبي آخر الزمان، الذي بشرت به التوراة والإنجيل.
ها هي ذي ترى أمامها محمدا الأمين الذي شغل أندية مكة بخلقه وصدقه وعظيم سجاياه، كما شغلها بما سمعته من أمره من أحاديث خديجة وغلامها ميسرة!!
إنه لا يسجد لصنم ولا يتقرب إلى وثن، ولا يعبد ما يعبدون من آلهة، ولا يحلف بما يحلفون، ولا يشاركهم في إثم، ولا يعاقر خمرا، ولا يقارف مجونا ولا عبثا.. وكانت تتساءل في سرها: أيكون محمد نبي آخر الزمان؟!!