إن القول بأنهم نقلوه بجملته بحيث استحالت فيه شخصية تفكيرهم من دون تطوير وتحوير وأخذ وطرح، ليس عليه شاهد صحيح، وهو ما تأباه طبيعة العقل البشري، سنة التطور الفكري، ويفضي حتما إلى إنكار خصائص الشعوب والأفراد.
وهل من جدوى بعد هذا، أن ننكر أن مفكرا موهوبا كهشام طلع في عصر الترجمة والفلسفة أن يتفاعل بها، وأن يتغذى عقله ويتكون متأثرا بهذا الوسط الثقافي، بحيث لا يظهر على تفكيره أثر الابتكار والتطوير والانشاء من كل وجه.
إن ما يجب أن يرد هو القول بأن كل فكرة أو رأي له، مأخوذ من قوم سبقوه، لأنه يترتب على هذا محو الخصائص الشخصية التي يتمتع بها كل مفكر موهوب، والتي تتميز بها كل ثقافة، وهي تلك الخصائص المستمدة من عبقرية أهلها وظروفهم التاريخية وأحوالهم بوجه عام، وسيتبين في فصل (آرائه) أنه عارض الكثير من تلك الآراء الأجنبية، ولم يأخذها على عواهنها كما هي، وإنما أخذ منها ما أخذ، مع التحوير والتصرف، وأضاف إليها شيئا من أفكاره الخاصة وثقافته الإسلامية (1).
وأراء هشام الفلسفية المبعثرة في مؤلفات الفرق والعقائد لم يتعرض لها مؤلفوا الفرق والعقائد إلا لما كان له مساس في القدح فيه والنيل منه، وتهجين رأيه والتنفير منه، وأكثر ما