وقد طغت هذه الفكرة الاستعمارية على البلاد العربية بعد الحرب العالمية الأولى، وأخذت تغزونا في تفكيرنا ونفوسنا غزوا عنيدا، وانجرف بها كثير من شبابنا المثقفين، وتجاوبوا معها معتقدين أن الغربيين أدق تفكيرا وأعمق تأملا وأبعد نظرا، ونظروا إلى آرائهم نظرة تقديس وعصمة، وسخروا بكل ما يملكه العرب من تفكير وتراث علمي وفلسفي، كما سخروا بتاريخهم وأدبهم، وتكونت في أعماقهم عقدة الشعور بالنقص الذي تتعذر ملافاته.
وقد كانوا يتخذون من أقوال الغربيين حين يريدون إثبات شئ دليلا قاطعا لا يقبل النقض، أو عملا رياضيا لا يعرض عليه الخطأ.
وهي بالطبع فكرة خطرة تمكن المستعمرين من أرضنا ومن استغلالنا، كان الجدير بنا أن ننظر إليهم، وإلى كل فكرة وقول يرد عنهم نظرة تحفظ وحذر ويقظة.
وإزاء هذا كله فهل أخذ المتكلمون الاسلاميون - لأنهم من الأصل السامي السطحي التفكير - تلك الآراء بجملتها من دون تحوير أو تطوير، على نحو أن شخصية تفكيرهم قد انمحت في تلك الآراء، واستحالت في كيانها؟
وهل هناك ما يحتم أن تكون كل فكرة عند فلاسفة المسلمين أو متكلميهم مأخوذة عن أصل أجنبي؟ وأنهم نقلوا الأفكار الدخيلة نقلا دون ما تصرف؟ أم أنهم أخضعوا ذلك لتفكيرهم وعقيدتهم وثقافتهم، ومزجوه بها، واختاروا منه ما يلائم مذاهبهم، وطرحوا منه ما يخالفها؟