الكيساني والمذهب الزيدي من الشيعة، وكان إلى جانب هذه المذاهب، الخوارج والشراة، وهم في صراع عنيف في الفكرة الرأي، وتضم أيضا نزعات إلحادية، كان لها جماعة يناصرونها، وأكثرهم من الشعوب التي ظهر عليها الإسلام. فكان مجتمع الكوفة صاخبا يعج بالألوان الكثيرة من التفكير والنزعة والمذهب.
وكانت نظرية الشيعة في الخلافة تقوم على أنها منصب ديني، لا يخضع للاختيار أو الانتخاب، يتعين بنص من الله أو رسوله، وينص الإمام السابق على اللاحق، وأن الإمام يجب أن يكون معصوما، لا تحل مخالفته ولا يجوز عزله. وهذه النظرية تناقض نظرية الخوارج مناقضة تامة، إذ الخلافة عندهم منصب دنيوي، لا يتصل بأي سبب إلى الدين، وأن الغاية منه ضبط أمور الناس، وأنه إذا ضبط الناس أمورهم من تلقاء أنفسهم فلا حاجة بعد إلى خليفة، وأن كل خليفة لا قوة له فليس بخليفة، وأن الخلافة تصلح في كل إنسان إذا كان قادرا على إقامة حدود الله بقوته وعلمه سواء أكان رجلا أو امرأة حرا أم عبدا وغير ذلك.
ويقول الدكتور فروخ: نظر الخوارج إلى مبادئ السياسة المطلقة فكانوا فلاسفة سياسيين، ونظر الشيعة إلى عمل السياسة في الشعوب فكانوا فلاسفة نفسانيين. ومن أجل ذلك رأينا النظرية الشيعية أرسخ في النفوس وأطول رسوخا، ووجدنا أن عملها في التاريخ كان أشد، إن حروب الخوارج لم تهدم دولة ولم تبن دولة، أما دعاية الشيعة وحروبها فقد هدمت دولا وأقامت دولا أخرى مكانها.