ولا له عادة في ذلك ولا سمع بعادة أهلها، فليس يغلب ظنه بالسلامة في طريق دون طريق.
ولو قدرنا وجود من لا عادة له بالمطر، ولا سمع بالعادة فيه، لم يصح أن يغلب في ظنه مجئ المطر عند الغيم دون الصحو، وإذا كان الأمر كما بيناه وكان الاتفاق حاصلا على أنه لا عادة في الشريعة للخلق بطل ما ادعيت من غلبة الظن، وقمت مقام الأول في الاقتصار على الدعوى.
فقال: هذا الآن رد على الفقهاء كلهم وتكذيب لهم فيما يدعونه من غلبة الظن ومن صار إلى تكذيب الفقهاء كلهم قبحت مناظرته.
فقلت له: ليس كل الفقهاء يذهب مذهبك في الاعتماد في المعاني والعلل على غلبة الظن، بل أكثرهم يزعم أنه يصل إلى ذلك بالاستدلال والنظر، فليس كلامنا ردا على الجماعة وإنما هو رد عليك وعلى فرقتك خاصة، فإن كنت تقشعر من ذلك فما ناظرناك إلا له، ولا خالفناك إلا من أجله، مع أن الدليل إذا أكذب أكذب الجماعة فلا حرج علينا في ذلك ولا لوم، بل اللوم لهم إذا صاروا إلى ما تدل الدلائل على بطلانه وتشهد بفساده.
وليس قولي: إنكم معشر المتفقهة تدعون غلبة الظن، وليس الأمر كذلك بأعجب من قولك وفرقتك إن الشيعة والمعتزلة وأكثر المرجئة، وجمهور الخوارج فيما يدعون العلم به من مذهبهم في التوحيد والعدل مبطلون كاذبون مغرورون، وإنهم في دعواهم العلم بذلك جاهلون، فأي شناعة تلزم فيما وصفت به أصحابك مع الدليل الكاشف عن ذلك، فلم يأت بشئ (1).