دليل على المعنى ولا السمة وإنما تعبدك على ما زعمت بالعمل على غلبة الظن، فلا بد أن يجعل لغلبة الظن سببا، وإلا لم يحصل ذلك في الظن ولم يكن لغلبته طريق، وهب أنا سلمنا لك التعبد بغلبة الظن في الشريعة، ما الدليل على أنه قد يغلب فيما زعمت؟ وما السبب الموجب له أرناه؟ فإنا نطالبك به كما طالبنا هذا الرجل بجهة الاستخراج للسمة؟
والعلة السمعية كما وصف فإن أوجدتنا ذلك ساغ لك، وإن لم توجدناه بطل ما اعتمدت عليه.
فقال: أسباب غلبة الظن معروفة وهي كالرجل الذي يغلب في ظنه إن سلك هذا الطريق نجا وإن سلك غيره هلك، وإن أتجر في ضرب من المتاجر ربح، وإن أتجر في غيره خسر، وإن ركب إلى ضيعة والسماء متغيمة مطر، وإن ركب وهي مصحية سلم، وإن شرب هذا الدواء انتفع، وإن عدل إلى غيره استضر، وما أشبه ذلك، ومن خالفني في أسباب غلبة الظن قبح كلامه.
فقلت له: إن هذا الذي أوردته لا نسبة بينه وبين الشريعة وأحكامها، وذلك أنه ليس شئ منه إلا وللخلق فيه عادة وبه معرفة، فإنما يغلب ظنونهم حسب عاداتهم، وإمارات ذلك ظاهرة لهم، والعقلاء يشتركون في أكثرها وما اختلفوا فيه فلاختلاف عاداتهم خاصة، وأما الشريعة فلا عادة فيها ولا إمارة من درية ومشاهدة، لأن النصوص قد جاءت فيها باختلاف المتفق في صورته وظاهر معناه، واتفاق المختلف في الحكم، وليس للعقول في رفع حكم منها وإيجابه مجال، وإذا لم يك فيها عادة بطل غلبة الظن فيها.
ألا ترى أنه من لا عادة له بالتجارة ولا سمع بعادة الناس فيها، لا يصح أن يغلب ظنه في نوع منها بربح أو خسران، ومن لا معرفة له بالطرقات ولا بأغيارها،