فقلت: أنكرت ذلك من قبل أن المتعبدات السمعية وضعت على خلاف القياس مما ذكرناه، فوجب أن يكون ما تفرع عنها جاريا مجراها.
ولسنا نجد أصول المعقولات التي هي الضرورات موضوعة على خلاف القياس، وإنما امتنع القياس فيها، لأنها أصول لا أصول لها، فوضح الفرق بينهما.
ومما يبين لك ذلك أيضا أنه قد كان من الجائز أن نتعبد بخلاف ما أتت فيه أصول الشرعيات، وليس بجائز أن يتعبد بخلاف أصول العقليات التي هي الضرورات، فلا طريق إلى الجمع بينهما.
قال: فما تنكرون على من زعم أن الله تعالى فرق لنا بين الأصول في السمعيات وفروعها، فنص لنا على الأصول وعرفنا بها، وأمرنا بقياس الفروع عليها، ضربا من التعبد والتكليف، ليستحق عليه الأجر والثواب.
قلت: هذا مما لا يصح أن يكلفه الله تعالى للعباد، لأن القياس لا بد فيه من استخراج علة يحمل عليها الفروع على الأصول، ليماثل بينهما في الحكم.
والأحكام الشرعية لو كانت مما توجبه العلل، لم يجز في المشروعات النسخ، وفي جواز ذلك في العقل دلالة على أنها لا تثبت بالعلل.
وقد قدمنا القول بأن علل القائسين مظنونة، والظنون غير موصلة إلى إثبات ما تعلق بمصالح الخلق، ولا مؤدية إلى العلم بمراد الله تعالى من الحكم.
ولو فرضنا (1) جواز تكليف العباد القياس في السمعيات، لم يكن بد من ورود السمع بذلك في القرآن أو في صحيح الأخبار، وفي خلو السمع من تعلق التكليف به دلالة على أن الله تعالى لم يكلفه خلقه.