تلك التربة الحمراء الزكية، كانت قبل الإسلام قد اتخذت نواويس ومعابد ومدافن للأمم الغابرة، كما يشعر به كلام الحسين (عليه السلام) في إحدى خطبه المشهورة حيث يقول: " وكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوت بين النواويس وكربلاء " (1).
ثم يستمر في التعليل بأن كيف تسامت هذه التربة بانضمام شرفها الجوهري إلى طيبها العنصري فأصبحت بذلك أشرف بقاع الأرض بالضرورة والفطرة بقوله:
أليس من صميم الحق والحق الصميم، أن تكون أطيب بقعة في الأرض مرقدا وضريحا لأكرم شخصية في الدهر؟ نعم، لم تزل الدنيا تمخض لتلد أكمل فرد في الإنسانية، وأجمع ذات لأحسن ما يمكن من مزايا العبقرية في الطبيعة البشرية، واسمي روح ملكوتية في أصقاع الملكوت وجوامع الجبروت، فولدت نورا واحدا شطرته نصفين: سيد الأنبياء محمدا، وسيد الأوصياء عليا، ثم جمعتها ثانيا فكان الحسين مجمع النورين وخلاصة الجوهرين كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" حسين مني وأنا من حسين ". ثم عقمت أن تلد لهم الأنداد أبد الآباد.
وإذا كان من حق الأرض السجود عليها، وعدم السجود على غيرها، أفليس من الأفضل والأحرى أن يكون السجود على أفضل وأطهر من الأرض؟ وهي التربة الحسينية، وما ذاك إلا لأنها أكرم مادة، وأطهر عنصرا، وأصفى جوهرا من سائر البقاع، فكيف وقد انضم شرفها الجوهري إلى طيبها العنصري، ولما تسامت الروح والمادة، وتساوت الحقيقة والصورة صارت هي أشرف بقاع الأرض بالضرورة.
* * *