ورأسه. فقال لي: ما يبكيك يا محمد؟! قلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة القدرة، على المقام عندك أنظر إليك.
فقال لي: أما قلة القدرة فكذلك جعل الله أولياءنا وأهل مودتنا وجعل البلاء إليهم سريعا، وأما ما ذكرت من الغربة، فإن المؤمن في هذه الدنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس حتى يخرج من هذه الدار إلى رحمة الله، وأما ما ذكرت من بعد الشقة فلك بأبي عبد الله (عليه السلام) أسوة بأرض نائية عنا بالفرات، وأما ما ذكرت من حبك قربنا والنظر إلينا، وإنك لا تقدر على ذلك، فالله يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه.
ثم قال لي: هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ قلت: نعم، على الخوف ووجل، فقال لي: ما كان في هذا أشد بالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه أمن الله روعته يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، ورآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يصنع، ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسه سوء واتبع رضوان الله، ثم قال لي: كيف وجدت الشراب؟ فقلت: أشهد أنكم أهل بيت الرحمة وأنك وصي الأوصياء، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدر على أن أستقل على قدمي، ولقد كنت آيسا من نفسي، فناولني الشراب فشربته فما وجدت مثل ريحه ولا أطيب من ذوقه ولا طعمه ولا أبرد منه، فلما شربته قال لي الغلام: إنه أمرني أن أقول لك: إذا شربته فأقبل إلي، وقد علمت من عقال، فالحمد لله الذي جعلكم رحمة لشيعتكم [ورحمة علي]! فقال: يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبر الحسين (عليه السلام)، وهو أفضل ما استشفي به، فلا تعدل به، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا فنرى فيه كل خير، فقلت له: جعلت فداك إنا لنأخذ منه ونستشفي به، فقال: يأخذه الرجل يخرجه من الحائر وقد أظهره فلا يمر بأحد من الجن به عاهة، ولا دابة ولا شئ فيه آفة إلا شمه، فتذهب بركته فيصير بركته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا، ولولا ما ذكرت ما يمسح به شئ