المخلصين، وهو وسام الشهادة في سبيل رفع كلمة التوحيد ومحاربة الظلم والجور، ومن ذلك الحين تربع الحسين (عليه السلام) على عرش الشهادة ولم يدانيه أحدا، وسجل أعظم ملحمة من ملاحم البطولة والفداء في التاريخ، وشهدت كربلاء هذه الملحمة التاريخية التي لم يخبرنا التاريخ عن وقع ملحمة أعظم منها، ولم يخبرنا التاريخ أيضا عن بطولة كبطولة الحسين (عليه السلام)، لقد شاهد أهل بيته وأصحابه يتهاوون صرعى على رمضاء كربلاء وهو قوي الجنان رابط الجأش، فحاز الإمام الشهيد (عليه السلام) منزلة الشرف والتقديس، حتى غدت كربلاء التي سال على رمضائها دم الحسين (عليه السلام) تضاهي بقاع العالم قدسية وشرفا، وأصبحت مهوى لقلوب المسلمين، وغدا قبره الشريف (عليه السلام) وسام عز وشرف لكربلاء، وصار مسجده أفضل مسجد أسس على التقوى، ومشهده أشرف مشهد، فأن يكون بيت الحرام قبلة للأنام ومعدن البركات، فكربلاء بحلول سبط المصطفى في تربتها حازت شرفا لا يعلوه شرف، وفخرا لا يعلوه فخر.
فشرف الكعبة بمولد سيد الوصيين كان مقدار ساعة، وشرف كربلاء بضريح سبط خاتم النبيين إلى قيام الساعة، إن يكون الطواف بالكعبة به تمام الحج والعمرة، فالطواف بضريحه يعدل ثوابه ثواب ذلك ألف مرة، إن تكن الكعبة قبلة جباه المسلمين، فكربلاء وجهة قلوب المؤمنين، إن تكن الصلاة عزيمة وفريضة، فبغير ولايته وولاية آبائه وأبنائه لا تعادل عند الله جناح يعوضه، إن يكن البيت العتيق عتيق من الطوفان والغرق، فمقامه (صلوات الله عليه) لما أجرى الماء عليه حار وما انطلق، إن تكن أفئدة من الناس تهوي إلى البيت، فقلوب المؤمنين تحن على زيارته على الدوام (1).