بغداد (270 ه)، دخل في جيش لم ير مثله، واشتق أسواق بغداد والرأس بين يديه، فلما صرنا بباب الطاق، صاح قوم من درب تلك الدروب: رحم الله معاوية وزاد! حتى علت أصوات العامة بذلك، فتغير وجه المعتضد، وقال: ألا تسمع يا أبا عيسى ما أعجب هذا! وما الذي اقتضى ذكر معاوية في هذا الوقت! والله لقد بلغ أبي إلى الموت، وما أفلت أنا إلا بعد مشارفته، ولقينا كل جهد وبلاء، حتى نجينا هؤلاء الكلاب من عدوهم وحصنا حرمهم وأولادهم، فتركوا أن يترحموا على العباس وعبد الله وابنه ومن ولد الخلفاء، وتركوا الترحم على علي بن أبي طالب، وحمزة والحسن والحسين، والله لا برحت أو أوثر في تأديب هؤلاء أثرا لا يعادوه بعد هذا الفعل مثله، ثم أمر بجمع النفاطين ليحرق الناحية، فقلت له: أيها الأمير، أطال الله بقاءك، إن هذا اليوم من أشرف أيام الإسلام، فلا تفسده بجهل عامة لأخلاق لهم، ولم أزل أداريه وأرفق به حتى سار " (1).
يظهر من هذه الرواية أن حب أهل البيت (عليهم السلام) صار يجد له مكانا في قلوب البعض من بني العباس، كما يؤيد ذلك ابن طاووس في روايته عن أبي الحسين علي بن الحسين بن الحجاج قال: كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج، وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ، وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي، وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنؤونه بالسلامة، لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) في ذي الحجة من سنة ثلاث وسبعين ومائتين، فبيناهم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن عيسى العباسي، فلما نظرت الجماعة إليه، أحجمت عما كانت فيه، وأطال إسماعيل الجلوس، فلما نظر إليهم قال: يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت عنكم