الدولة العباسية أموالا طائلة في الأرواح والممتلكات، ولم يستطيعوا القضاء عليه إلا في سنة 270 ه بقيادة الموفق، هذا من جهة، أما من جهة الخلفاء أنفسهم فقد كانوا ألعوبة بيد الأتراك، يعبثون ويفسدون في مقدرات الخلافة، وأصبحوا أصحاب الأمر والنهي، حتى سادت الفوضى، وعمت الاضطرابات، وصار الخليفة لا يأمن حتى على حياته، فمتى أرادوا التخلص منه يقتلونه بسهولة ويسر، كما فعلوا بالمستعين والمعتز والمهتدي، وربما يعاقب الخليفة قبل قتله كما فعلوا بالمعتز، حيث عوقب بوضعه في الشمس فوق الرمل يرفع رجله ويضعها من شدة حرارة الرمل، وهم يضربونه بالدبابيس. من هذه الحادثة يعرف إلى أية مرحلة من مراحل الذل والانحطاط وصلت إليه الخلافة العباسية، فلم تتح الفرصة للخلفاء بالتعرض للقبر الشريف.
أما وقت سقوط سقيفة الحائر فكان في عهد المعتمد الذي بويع له بالخلافة سنة 256 ه، والذي كان منهمكا على اللهو واللذات، فاشتغل عن الرعية فكرهته الناس، وفي آخر أيامه مات أخيه الموفق ثم اختلفت عليه الرعية فقتلوه، وقيل سم، وقيل رمي في حلقه رصاص مذاب، وقيل حفر له حفرة وجعل عليها ريش فمشى فسقط في الحفرة، فمات سنة 279 ه (1).
فكان رجل الدولة الموفق وابنه المعتضد الذي تولى عرش الخلافة بعد المعتمد، وكان المعتضد يتشيع كما نفهم من رواية ابن أبي الحديد، عن العلاء بن صاعد بن مخلد، حيث قال: " لما حمل رأس صاحب الزنج ودخل به المعتضد إلى