يستفاد من رواية الأصفهاني بأن زيارة قبر الحسين (عليه السلام) اتخذت طابعا ملحوظا خلال تلك الفترة، ولم تقتصر على الشيعة بل امتدت إلى بقية طوائف المسلمين، وأن محبة الحسين قد تغلغلت في قلوبهم، حتى امتدت إلى بعض حاشية الخليفة وخاصة جواريه.
كما يظهر أن الشيعة قد اتخذوا دورا ومنازلا حول القبر الشريف، وهذا ما دعا المتوكل إلى تهديم وتخريب الدور التي حوله، كما أنه أمر بإعادة المسالح للمراقبة ومنع زوار القبر، والتي ألغيت بعد موت الرشيد.
بعد حادثة هدم القبر، هل امتنع الناس من زيارة القبر؟ بالتأكيد لا، فعلى الرغم من وجود المسالح على سائر الطرق المؤدية إلى كربلاء وبين كل مسلحتين ميل، لم يثن الشيعة من زيارة القبر، ويظهر أن الأهالي أعادوا تعمير القبر ولو بشكل بسيط حتى جاءت سنة 236 ه، ليعيد المتوكل الكرة مرة أخرى بهدمه وهدم ما حوله من الدور والمنازل، وأن يبذر ويسقي موضع القبر، وأن يمنع الناس من إتيانه، " فنادى (عامل صاحب الشرطة) بالناس في تلك الناحية، من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق! فهرب الناس، وتركوا زيارته، وحرث وزرع " (1).
وفي رواية المسعودي فقد ذكر الحادثة بقوله: " وفي سنة 236 ه أمر المتوكل المعروف بالديزج بالمسير إلى قبر الحسين بن علي (رضي الله تعالى عنهما) وهدمه ومحو أرضه، وإزالة أثره، وأن يعاقب من وجد به، فبذل الرغائب لمن تقدم على هذا القبر، فكل خشي العقوبة وأحجم فتناول الديزج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين، فحينئذ أقدم الفعلة فيه " (2).