الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الناس بك.
وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر (1)، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم، وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلا رفعة وسموا، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه، وكلما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة... إلخ (2).
لقد اعتاد المحدثون والحفاظ - خاصة القدامى منهم - أنهم إذا رأوا حديثا كثرت طرقه وتوفرت أسانيده وتنوعت وتجمعت لديهم وفرة من الطرق والروايات بألفاظ مختلفة أو متقاربة أفردوه بالجمع والتأليف، ودونوه في جزء يخصه، مثل: حديث " رد الشمس " وحديث " الطير "، ومن ذلك حديث " الغدير " وهو أولاها بذلك وأكثرها إسنادا وطرقا، وعليه الاتفاق، بل الإجماع، فإن من لم يحدث أو من لم ينقل عنه الحديث من الصحابة لا يعني أنه ينكره،