أما من أخذ نصا وترك آخر، فسيقع في تناقضات عجيبة ومفارقات غريبة.
والأدلة على ما تقدم من كلام الشوكاني كثيرة جدا، أشهرها ما ورد من قصة (ذات أنواط) وكيف أن النبي (ص) لم يكفر الصحابة الذين طلبوا ما يخالف التوحيد، وإنما علمهم.
وكذا قصة الرجل الذي قال للنبي: ما شاء الله وشئت يا رسول الله، وصنع رسول الله (ص) معه ما صنع مع أولئك.
وقصة حاطب بن أبي بلتعة لما (تولى) كفار مكة ونقل إليهم خبر النبي، فلم يكفره النبي (ص) وإنما استفصل منه، فلما علم منه إيمانا حقيقيا يخالف فعله الخاطئ الذي صدر منه، قال له: (لعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم).
ومعلوم أنه لو كان كفرا حقيقيا لما غفر له الله سبحانه، فهو عز شأنه يقول: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
فلعل في هذه الدلالات والبينات ما يوقظ الغفلى من الشباب المسلم الذي أسلس قياده لعاطفته، دونما تعميق فكر وتحقيق نظر في معرفة " الكفر " في نظر الشرع الحكيم كتابا وسنة، ولو أننا أردنا الجدل العقلي مع هؤلاء الشباب، لألزمناهم بتكفير أنفسهم إذ هم - دونما شك - يعيشون تحت ظلال أنظمة الحكم المخالفة لشريعة الله، ويتعاملون بنقودها ومالها، ويدفعون لها مستحقات يلزمونهم بها... وغير ذلك مما لا يمكن أحدا من أن يقطع صلته بالمجتمع المعاصر الذي يعيش فيه، فهلا قلنا لهم: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)؟؟