ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال: اشتر به خير عسل تقدر عليه.
قال عقيل: والله لكأني أنظر إلى يدي علي عليه السلام وهي على فم الزق، وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفر لحسين فإنه لم يعلم!!
فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله، رحم الله أبا حسن، فلقد سبق من كان قبله، وأعجز من يأتي بعده! هلم حديث الحديدة.
قال عقيل: نعم، أقويت وأصابتني مخمصة شديدة فسألته فلم تند صفاته، فجمعت صبياني وجئته بهم، والبؤس والضر ظاهران عليهم.
فقال عليه السلام: إئتني عشية لأدفع إليك شيئا، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي، ثم قال: ألا فدونك فأهويت - حريصا قد غلبني الجشع - أظنها صرة فوضعت يدي على حديدة تلتهب، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره.
فقال عليه السلام: ثكلتك أمك! أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه - بنار هذه الدنيا - وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه! أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟
ثم قرأ: ﴿إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون﴾ (1).
ثم قال: ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى، فانصرف إلى أهلك.
فجعل معاوية يتعجب من هذه الحكاية ويقول: هيهات هيهات!!! عقمت الأمهات أن يلدن مثله (2).