شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٩ - الصفحة ٣٣٩
ويملكون بلاد العجم والعراق، ويذيقون الأمة من بأسهم أمر المذاق، وفي ضمن ذلك حرب وهرب وإدبار وفتن شداد، وكرب وبوار. وكلما قيل: انقطعت تمادت وامتدت، ومتى قيل: تولت توالت واشتدت، حتى لا يبقى بيت إلا دخلته ولا مسلم إلا وصلته، ومن ذلك سيف قاطع، واختلاف شديد وبلاء عام حتى تغبط الرمم البوالي، وظهور نار عظيمة من قبل المشرق تظهر في السماء ثلاث ليال، وخروج ستين كذابا كل يدعي أنه مرسل من عند الله الواحد المعبود، وخسف قرية من قرى الشام تسمى حرستا، وهدم مسجد الكوفة مما يلي دار ابن مسعود، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر، ثم ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد، وحمرة تظهر في السماء وتنشر في أفقها وليست كحمرة الشفق المعتاد، وعند الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، وارتفاع ريح سوداء بها، وخسف يهلك فيه كثير من الأنام، ويتوفر الفرات حتى يدخل الماء على أهل الكوفة فيخرب كوفتهم، ونداء من السماء يعم أهل الأرض ويسمع أهل كل لغة بلغتهم، ومسخ قوم من أهل البدع، وخروج العبيد من طاعة ساداتهم وصوت في ليلة النصف من رمضان يوقظ النائم ويفزع اليقظان ومعمعة في شوال، وفي ذي القعدةحربوقتال، وينهب الحاج في ذي الحجة، ويكثر القتل حتى تسيل الدم على المحجة، وتهتك المحارم وترتكب العظائم عند البيت المعظم، ثم العجب كل العجب بين جمادى ورجب ويكثر الهرج، ويطول فيه اللبث، ويقتل الثلث ويموت الثلث ويكون ولاة الأمر كل منهم جائرا، ويمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا، ولعل هذا الكفر مثل كفران العشير، فإنه في بعض الروايات إلى ذلك يشير، وانثياب الكفر، ونزولهم جزيرة العرب، ويجهز الجيوش، ويقتل الخليفة، ويشتد الكرب، وينادي مناد على سور دمشق:
ويل للعرب من شر قد اقترب، ومن ذلك رجل من كندة أعرج يخرج من جهة المغرب مقرون بألوية النصر، لا يزال سائرا بجيشه وقوة حاسة حتى يظهر على مصر، ومن ذلك إخراب معظم البلاد حتى تعود حصيدا كأن لم تغن بالأمس، واستيلاء السفياني وجوره على الكور الخمس، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام، وركود الشمس وخسوفها في النصف من شهر الصيام، وخسف القمر في آخره عبرة للأنام وتلك آيتان للإمام لم تكونا منذ أهبط الله آدم عليه السلام، وفتن وأهوال كثيرة، وقتل ذريع بين الكوفة والحيرة، ومن ذلك خروج السفياني ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس وعتوه بجنيدة الأجناد وذوي القلوب القاسية والوجوه العوابس، وتخريبه المدارس والمساجد، وتعذيبه كل راكع وساجد، وإظهار الظلم والفجور والفساد، وظهور أمره وتغلبه على البلاد، وقتله العلماء والفضلاء والزهاد، مستبيحا سفك الدماء المحرمة، ومعاندته لآل محمد صلى الله عليه وسلم أشد العناد ومتجريا على إهانة النفوس المكرمة، والخسف بجيشه بالبيداء ومن معهم من حاضر وباد، ولا يعاذرهم عذرهم مثله للعباد، ولم يبلغوا ما أملوا، وآخر الفتن والعلامات قتل النفس الزكية، فعند ذلك يخرج المهدي بالسيرة المرضية. والله أعلم.
وقال مثله العلامة الشيخ يوسف بن يحيى المقدسي السلمي الشافعي في عقد الدرر في أخبار المنتظر " (ص 113 ط مكتبة عالم الفكر بالقاهرة باختلاف قليل في اللفظ وهو: على قرية حصينة، وسلطهم نقمة، ويهلكون، بدل: " يملكون بلاد العجم والعراق "، و " أمر مذاق "، و " لا يبقى بيت من العرب ". وليس فيه: تسمى حرستا، وهدم حائط مسجد الكوفة، عبد الله بن مسعود، عقد الجسر، بدل " عند الجسر "، وبثق في الفرات بدل " ويتوفر الفرات "، عن طاعة بدل " من طاعة "، ويسمع كل أهل لغة، ونهب الحاج، وتهتك المحارم في الحرم، ويقتل ثلث، كفر العشير، وانسياب الكفر، وتجهيز الجيوش، فلا يزال، وقوة جأشه، أخراب معظم البلاد. وليس فيه: " للإمام " في: وتلك آيتان للإمام. وتجنيده الأجناد. وليس فيه " و " في: وذوي القلوب القاسية.
وأيضا بينهما اختلاف في تقديم بعض الجملات وتأخيرها. وفيه أيضا: ويغادرهم غدرهم مثله للعباد، بدل " ولا يعاذرهم عذرهم مثله للعباد ". وفيه أيضا: يخرج الإمام المهدي ذو السيرة المرضية.
وأيضا فيه زيادة على ما ذكره المولوي في " البرهان " وهي: فيشمر عن ساق جده في نصرة هذه الأمة، حاسرا عن زنده لكشف هذه الغمة، متحركا لتسكين ثائرة الفتن عند التهابها، متقربا لتبعيد دائرة المحن بعد اقترابها، صارفا أعنة العناية لتدارك هذا الأمر مباشرا بنفسه الكريمة إطفاء هذا الجمر، مخلصا في تخليص لبلاد من أيدي الفسقة الفجرة، كافا عن صلحاء العباد أكف المرقة الكفرة، وجبريل على مقدمته، وميكائيل على ساقته، والظفر مقرون ببنوده، والنصر معقود بألويته، وقد فرح أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحش بولايته.
فيسير إلى الشام في طلب السفياني بجأش قوية وهمة سنية، وجيوش نصره وقد طبقت البرية ونفحات نشره قد طيبت البرية، فيهزم جيش السفياني ويذبحه عند بحيرة طبرية، فتندرس آثار الظلم وتنكشف حنادس الظلمة، وتعود المحنة محنة واللأواء نعمة.
ويخرج إليه من دمشق من مواليه عدد من المئين، هو أكرم العرب فرسا وأجودهم سلاحا يؤيد الله بهم الدين.
وتقبل الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد، يعيد الله تعالى بهم من الاسلام كل خلق جديد.
ثم يسير إلى دمشق في جيشه العرمرم، ويقيم بها مدة مؤيدا منصورا ومكرم، ويأمر بعمارة جامعها وترميم ماوهى منها وتهدم، وتنعم الأمة في أيامه نعمة لم ينعمها قبلها أحد من الأمم، فيا طوبى لمن أدرك تلك الأيام العر وتملى إلى بالنظر إلى تلك الغرة الغراء ولتربة تقبل أقدامه لثم.
ولنختم هذا الفصل بأبيات قصيدة طويلة سنية، يرثي قائلها فيها آل محمد ويذكر في آخرها قتل النفس الزكية، وهي مأثورة عن علامة الأدب عبد الله بن بشار بن عقب، فمنها:
أعيني فيضا عبرة بعد عبرة * فقد حان إشفاقي وما كنت أحذر أعيني إلا تدمعا لمصيبتي * فغير كما عني أغض وأصبر أعيني هذا الركن وردا تتابعوا * وهم بالسبايا دار عين وحسر من الأكرمين البيض من آل هاشم * لهم نجم في ذروة المجد تزهر بهم فجعتنا والفجائع كاسمها * تميم وبكر والسكون وحمير ففي كل حي بضعة من دمائنا * لها زمن يعلو سناه ويشهر كأن بني بيت النبي ورهطه * هدايا بدون حول بيت تعقر غداة التقي أهل العراق عليهم * جلابيب بيض فوقهن السنور رشوا المال فينا فارتشوا في دمائنا * قليلا ولو أعطوا القليل تصبوا لعمرك ما آووا ولا نصروا الهدى * ولا اتبعوا الحق المنير فينظروا لهم كل عام راكب وصحيفة * بتطريدنا في الأرض تطوى وتنشر دعتنا إليها عصبة لنجيبها * إلى نفي جور ناره تتسعر فلما إليها علم ذي الموت للتي * دعونا إليها أحجموا وتحيروا وهزوا القنا والمشرفية واتقوا * بنا حرها عند اللقاء ودخروا صبرنا وكان الصبر منا حمية * بنو هاشم إنا بذلك أجدر وإنا متى نفخر عليهم يكن لنا * بأحمد مجد لا يرام ومفخر وحمزة منا رأس كل شهادة * تعد ومنا ذو الجناحين جعفر ومنا علي سيد الناس كلهم * وقائدهم بعد النبي مبشر وإنا خصصنا بالمودة دونهم * وإن لنا الفضل الذي ليس ينكر فلله قتلانا وسفك دمائنا * وذمتنا إذ تستباح وتخفر ويقتل من أشاع آل محمد * ويصلب منهم من يسمى ويذكر وللجيش بالبيداء في الخسف عبرة * فيرجع منها مقبل القلب مدبر وفي قتل نفس بعد ذاك زكية * أمارات حق عند من يتذكر عن عامر قال: سألت عبد الله بن بشار، عن النفس الزكية قال: هو من أهل البيت وعند قتلها ظهور المهدي عليه السلام.
وآخر عند البيت يقتلضيعة * يقوم فيدعو للإمام فينحر وتدخل نار جوف كوفة ضحوة * تسيل بها سيلا فتحرق أدور ويبعث أهل الشام بعثا عليهم * بناحية البيداء خسف مقدر وخيل تعادل بالكماة كأنها * هي الريح إذ تحت العجاجة تصبر يقود نواصيها شعيب بن صالح * إلى سيد من آل هاشم يزهر على شقة شق اليمين علامة * لدى الخد عند الصدغ خال منور