والهجرة، نحول جسمها وتوعك مزاجها، وشد ما راع أسماء أن تسألها الزهراء سؤالا أجفلها، إذ قالت: أتستطيعين يا أسماء أن تواريني بشئ؟
فخففت عنها الوهم وهدهدت أشجانها، ولما ألحت الزهراء أجابت أسماء:
إني رأيت أهل الحبشة يعملون السرير للمرأة، ويشدون النعش بقوائم السرير...
فالتمست الزهراء أن يصنع لها مثل ذلك، فلما رأته قالت: سترتموني ستركم الله.
وأقام علي بين يديها يواسيها ويسليها، ويهون عليها، ويرجو لها العافية، وقد امتلأت نفسه حنانا عليها، فلما لحقت فاطمة بأبيها بعد أشهر معدودات، دفنها علي وروحه تكاد تنفطر حزنا وغما، ونزل في قبرها يودعها الوداع الأخير.
وكانت لا تنقطع عن البكاء بنتاها زينب وأم كلثوم، وأسرف أولادها على أنفسهم فلم يتعزوا عن الحزن الذي ملأ قلوبهم لوعة وحسرة، واستوحش علي بعدها من البيت، وجزع عليها وبكاها، وكان لا يشفيه إلا أن يزور قبرها ويرثيها بشعره الدميع، ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى سنة 911 في كتابه (مسند فاطمة عليها السلام) (ص 25 ط المطبعة العزيزية بحيدر آباد الهند) قال:
وأخرج ابن السكن في المعرفة عن عبيد الله بن بريدة قال: أتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين بين يوم وليلة فقالت: إني لأستحي من خلل هذا النعش إذا حملت فيه. فقالت لها امرأة - لا أدري أسماء بنت عميس أو أم سلمة: إن شئت عملت لك شيئا يعمل بالحبشة يحمل فيه النساء. قالت أجل فاصنعيه، فصنعت النعش، فلما رأته قالت لها: سترك الله. قال: فما زالت النعوش تصنع بعدها.