ثم إنها أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت الأصوات وسكنت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
(قال تعالى لقد جائكم رسول من أنفسكم إلى قوله رؤوف رحيم، فإن تعرفونه تجدونه أبي دون آبائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة والموعظة الحسنة، فهشم الأصنام وفلق الهام حتى انهزم الجمع وولوا الادبار، حتى نطق زعيم الدين وخرست شقاشق الشيطان وتمت كلمة الاخلاص، وكنتم على شفا حفره من النار فأنقذكم، نهزة الطامع ومذقة الشارب وقبسة العجلان وموطئ الأقدام، تشربون الطرق وتقتاتون القد أذلة خاشعين، يتخطفكم الناس من حولكم، حتى أنقذكم الله برسوله بعد اللتيا واللتي، بعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وقد نجم قرن الشيطان وفغرت فاغرة المشركين، فقذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه وتطفي نارها وعاديها بسيفه، مكدودا في ذات الله، وأنتم في رفاهية فاكهون آمنون وادعون).
(حتى اختار الله لنبيه دار أنبيائه وألحقه بالرفيق الأعلى، فظهرت حسيكة النفاق، ونطق ناطق الغاوين، ونبغ خامل الآفلين، وهدر فنيق المبطلين).
ومن ألفاظها رضي الله عنها:
(وما زالوا حتى استبدلوا الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، لفظتهم وشنأتهم بعد أن خلط الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم).
وكلام كثيرا اختصرناه، ثم قامت وانصرفت. نقلت ذلك عن (نثر الدر).