تأخذها؟! أنت أهون على الله من ذلك.
قال عاصم: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك. قال: ويحك، اني لست كأنت، ان الله فرض على أئمة العدل ان يقدروا أنفسهم بضعفة الناس، كيلا يتبيع بالفقير فقره، اي يهيج به ألم الفقر فيهلكه. وقول الإمام " استهام بك الشيطان " يدل على أن التنسك مكروه الا لغاية حميدة، كالمساواة وما إليها.
هذي هي فلسفة الزهد المرغوب فيه، انه نظام المساواة يطبقه المخلصون على أنفسهم بالافعال قبل الأقوال، وهو في الوقت نفسه رد فعل لترف المترفين، واحتجاج على من يتنعمون على حساب المظلومين. كان أويس القرني، وهو امام الصوفية وسيدهم، كان يتصدق بما يزيد عن مأكله وملبسه، ثم يخاطب الله بقوله: " اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني ".
وليس عمل أويس هذا تضحية، وكفى، بل وحجة دافعة تدين المحتكرين بقتل من يموت جوعا، وعريا.. وكان أويس من التابعين أدرك الصحابي الجليل أبا ذر الذي ثار على تصرفات عثمان في أموال المسلمين، واسراف معاوية في البذخ، وبناء الدور والقصور، وبهذا يتبين ان التصوف الاسلامي نشأ أول ما نشأ احتجاجا على الأثرياء الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله، ثم تطور مع الزمن إلى تصوف نظري،