ثم ذكر في المسألة الثانية فقال: لم يكن للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذنب فماذا يغفر له؟ قلنا:
الجواب عنه قد تقدم مرارا من وجوه: أحدها المراد ذنب المؤمنين، ثانيها المراد ترك الأفضل، ثالثها الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعمد، رابعها المراد العصمة. قلت: إن تجويز الرازي وقوع الصغائر من الأنبياء عمدا وسهوا هو خلاف ما عليه المحققون من علماء السنة وما أجمع عليه الإمامية.
(4) ثم قال في المسألة الرابعة ما معنى قوله: (وما تأخر). نقول: فيه وجوه: أحدها أنه وعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه لا يذنب بعد النبوة، ثانيها ما تقدم على الفتح وما تأخر عن الفتح، ثالثها العموم، يقال: اضرب من لقيت ومن لا تلقاه مع أن من يلقى لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم، رابعها من قبل النبوة ومن بعدها، وعلى هذا فما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة. ثم عقب ذلك بقوله: وفيه وجوه أخر ساقطة منها قول بعضهم: ما تقدم من أمر مارية وما تأخر من أمر زينب، وهو أبعد الوجوه وأسقطها لعدم التئام الكلام، وأطال الكلام في هذا الموضوع إطالة لا غرض لنا فيها ولا يتسع لها المقام.
وهذا ما أول به الآية الشريف المرتضى وبه نختم الجواب، قال: الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا، فيكون هنا مضافا إلى المفعول والمراد ما تقدم من ذنبهم إليك في منعهم إياك عن مكة وصدهم لك عن المسجد الحرام، ويكون معنى المغفرة على هذا التأويل الإزالة والسنخ لأحكام أعدائه من المشركين عليه، أي يزيل الله تعالى ذلك عنك ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من مكة فستدخلها فيما بعد، ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح ووجها له، قال: ولو أنه أراد مغفرة ذنوبه لم يكن لقوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك) معنى معقول لأن المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح فلا يكون غرضا فيه، وأما قوله: (ما تقدم وما تأخر) فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح بك وبقومك.
وفي هذه الأجوبة وخاصة الجواب الأخير للشريف مرتضى مقنع لمن أنصف وكان الحق ضالته لا المراء والجدل.