تأويل وبهذا نقول، ثم أورد حديثا مسلسلا عن أنس بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ هذه الآية (ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قالها يوسف (عليه السلام) قال له جبريل: يا يوسف أذكر همك، فقال يوسف: (وما أبرئ نفسي أن النفس لأمارة بالسوء) [الأعراف / 53] فليس في هذا الحديث على معنى من المعاني تحقيق الهم بالفاحشة، ولكنه فيه أنه هم بأمر ما وهذا حق كما قلنا، فسقط هذا الاعتراض وصح الوجه الأول والثاني معا، إلا أن الهم بالفاحشة باطل مقطوع على كل حال، وصح أن ذلك الهم ضرب سيدته وهي خيانته لسيده إذ هم بضرب امرأته، وبرهان ربه هاهنا هو النبوة وعصمة الله عز وجل إياه، ولولا البرهان لكان يهم بالفاحشة وهذا لا شك فيه. ولعل من ينسب هذا إلى النبي المقدس يوسف ينزه لنفسه الرذلة عن مثل هذا المقام فيهلك، وقد خشي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الهلاك على من ظن إذ قال للأنصاريين حين لقيهما: هذه صفية، ثم قال ومن الباطل الممتنع أن يظن ظان أن يوسف (عليه السلام) هم بالزنا وهو يسمع قول الله تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) فنسأل من خالفنا عن الهم بالزنا بسوء هو أم بغير سوء، ولو قال: إنه ليس بسوء لعاند الإجماع فإذ هو سوء وقد صرف عنه السوء فقد صرف عنه الهم بيقين، وأيضا فإنها قالت (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) وأنكر هو ذلك، فشهد الصادق المصدق (إن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فصلح أنها كذبت بنص القرآن، وإذ كذبت بنص القرآن فما أراد بها قط سوءا فما هم بالزنا قط، ولو أراد بها الزنا لكانت من الصادقين وهذا بين جدا، وكذلك قوله تعالى عنه: إنه قال: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) فصح عنه أنه قط لم يصب إليها " (1).
وللشريف المرتضى في أماليه وكتابه تنزيه الأنبياء (2) بحث طويل في براءة يوسف (عليه السلام) وعصمته عند تفسير هذه الآية، وقد كشف اللثام عن الحقيقة في