وثانيهما وهو الأهم إبطال تلك الأسطورة، وأنت ترى أن باب التأويل في هذه الآية غير منسد على من أوتوا قوة الاستنباط، شرط أن لا يقطعوا المسافة بين ظاهر الآية والمعنى المأولة به وأن يمروا بتلك الأسطورة مر الكرام، وفوق كل ذي علم عليم.
وقد أبطل تلك الرواية المفسران الجليلان الرازي (1) والطبرسي (2) ولم يعرض لها الزمخشري، ومن عجائب الأيام وعجائبها لا تتناهى أن يظل يدفع تلك الخرافة هذه الإطالة، ولكن شاء لنا ذلك تمويه صاحب التوضيح!!
8 - وجواب السؤال الثامن من وجوه:
1 - إن هذا السؤال في الظاهر إعراض على الآية نفسها لا على التفسير، وإلا فمعناها مفهوم جلي.
2 - إن قصص القرآن لا يراد بها سرد تاريخ الحوادث وترجمة الأشخاص، وإنما هي عبرة للناس كما قال تعالى في سورة يوسف، الآية 111، بعد ما ذكر موجزا من سيرة الأنبياء (عليهم السلام) مع أقوالهم: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وللعبرة وجوه كثيرة وفي تلك القصص فوائد عظيمة، وأفضل الفوائد وأهم العبر فيها التنبيه على سنن الله تعالى في الاجتماع البشري وتأثير أعمال الخير والشر في الحياة الإنسانية، وقد نبه الله تعالى على ذلك في مواضع من كتابه كقوله: (وقد خلت سنة الأولين) وقوله: (سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وليس المراد بنفي كون قصص القرآن تاريخا أن التاريخ شئ باطل ضار ينزه القرآن عنه، كلا إن قصصه شذور من التاريخ تعلم الناس كيف ينتفعون بالتاريخ، فمثل ما في القرآن من التاريخ البشري كمثل ما فيه من التاريخ الطبيعي من أحوال الحيوان والنبات والجماد ومثل ما فيه من الكلام في الفلك، يراد بذلك التوجه إلى العبرة والاستدلال على قدرة الصانع وحكمته، لا تفصيل مسائل العلوم الطبيعية