كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٩١
آمنوا في زمانه خاصة بل الذين آمنوا شيئا بدعوته والتزموا بشريعة ولم يخالفوا له أمرا أصلا ولا ارتكبوا شيئا من مناهيه في أي زمان كان، وأيضا فلأن الناس بين قائلين قائل بعصمته الإمام فيجب عنده في كل إمام، ومنهم من نفي عن الكل، فعصمة البعض دون البعض قول ثالث باطل بالاجماع.
الثالث والأربعون: قوله تعالى: * (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين) * إلى قوله: * (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) * وجه الاستدلال به ما تقدم تقريره في - 34 - (1) وأيضا فإن الذين يصدر منهم الذنب يقال إنهم ليسوا هم المتقين وهو يناقض قوله * (هم المتقون) * فدل على وجود المعصوم (2) غير النبي صلى الله عليه وآله، وإذا كان المعصوم غير النبي موجودا كان هو الإمام لاستحالة إمامة غيره مع وجوده.

(1) وقد قدمنا هناك أيضا بأن هذا التقريب لا يستلزم حصر المهتدين في تلك الآية في تلك بالأئمة المعصومين، كما أنه هاهنا لا يستلزم حصر المؤمنين الصادقين المتقين في المعصومين أيضا، بل يجوزان يوجد في المؤمنين العدول من يتصف بهذه الصفات.
نعم إنما تفيدنا هذه الآية وتلك الآية الكريمتان وجود المعصوم من ناحية أخرى، وتقريبها أن نقول: إن الإيمان الصحيح والتقوى منه جل شأنه حق تقاته لا يحصل لبشر دون توسط العالم بالشريعة حسبما نزلت، والعارف به تعالى وبأنبيائه حق المعرفة، إذ يجوز أن يحيد المرء بلا معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، ولا يجوز أن يحيد المرء بلا معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، ولا يجوز أن يكونوا جميعا على صواب، فالعلم والمعرفة الصحيحان لا يكونان إلا للمعصوم، فلا يحصل عليهما أحد بدون وساطته فإذن لا بد منه في العلم بالشريعة وفي معرفته الحقة ومعرفة رسله تعالى.
(2) نعم ربما تكون دلالة الآية الكريمة على وجود المعصوم من غير الناحية التي أشار إليها المصنف طاب رمسه، وإنما دلالتها على المطلوب من الناحية التي أشرنا إليها من أن التقوى والمعرفة حسبما يريدهما تعالى لا يحصلان بدون وساطة المعصوم فإن غير المعصوم لا تحرز موافقة تقاه ومعرفته لما يريده عز شأنه كملا.
وأما دعواه طاب ثراه من أن كل من يصدر منه الذنب فلا يقال له متق فصحيحة ولكن ليس كل من هو غير معصوم يصدر منه الذنب، فيجوز أن يصدق على كثير من غير المعصومين إنهم أتقياء، غير أن ذلك لا يحصل بدون العلم والمعرفة الصحيحين، وهما لا يكونان بدون وساطة المعصوم.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست