كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٨٣
الاستحقاق. الرابعة: إن استحقاق الثواب الدائم وعدم العقاب إنما هو بفعل الطاعات وترك المعاصي، وقد بينا ذلك في علم الكلام، وهذه الآية تدل على ذلك من باب الايماء كما تقرر في الأصول. الخامسة: يستحيل وجوب الممكن أو معلوله إلا عند وجوب سببه. السادسة: استحقاق الثواب الدائم مشروط بالموافاة فلا يثبت إلا مع الموافاة عند الوفاة أو قبلها مع وجود سبب الطاعات وسبب ترك المعاصي وإلا لزم أحد الأمرين، أما وجوب الممكن مع عدم سببه أو ثبوت استحقاق الثواب الدائم، وليست العلة ثابتة إذا الموافة الآن لم تثبت لأنها في المستقبل، فلا بد من ثبوت سببها الذي يمتنع معه المعاصي وتجب معه الطاعات باختيار المكلف، لأنه إن لم يجب وجود الطاعات منه ويمتنع المعاصي لزم ثبوت المعلول مع عدم سببه، فإن وجب من غير سبب وجوبه لزم وجوب الممكن مع عدم سببه، وهو محال، وذلك السبب هو العصمة (1) إذا تقرر ذلك فنقول: هذه الآية تدل على وجود المعصوم في كل زمان لأن الأمر بالبشارة يقتضي وجود المبشر لاستحالة بشارة المعدوم، ويكون مغايرا للنبي صلى الله عليه وآله للمقدمة الأولى

(1) يمكن أن يقال إن السبب أعم من العصمة وذلك هو الطاعة، نعم إنما تكون الطاعة من غير المعصوم بإرشاد المعصوم، وهذا يستحق البشارة بل ومثله - تجب بشارته فرقا بينه وبين المخالف للمعصوم، وأما عمل الصالحات والامتناع من المعاصي جميعا فلا يمتنع حصوله من المؤمن المطيع، وصدور الذنب منه لو اتفق سهوا وغفلة لا عمدا لا ينافي كونه ممتنعا عن المعاصي، لأن مرتكب المعاصي من يعملها عمدا.
وأما بشارة المعدوم فهي كخطابه فلم لا تجوز، والتكاليف الشرعية كتابا وسنة كلها لمن حضر ومن هو آت، لا فرق في ذلك بين الشخصين؟ والقرائن أو الأدلة التي عممت خطاب المعدوم جائية في بشارته!!
نعم إنما نستفيد وجود المعصوم في كل زمان من هذه الآية الكريمة بتقريب آخر، وهوان نقول: إن الصالحات التي يعتبرها الشارع الأقدس صالحات لا نعرفها من طريق غير المعصوم لجواز الخطأ عليه، فلربما يأمرنا بالطالح بزعم أنه صالح، ففي كل جيل وعهد لا يصدق على الناس أنهم عملوا الصالحات حقا فاستحقوا الجنان إلا باتباع المعصوم وطاعته والأخذ عنه، وهذا يقضي بأن يكون في كل زمان معصوم، حتى تتعرف الناس الصالحات منه فتعمل بها.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست