كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٨١
الاستدلال به أنه يقتضي ذم من يفسد في الأرض وهو يعتقد أنه مصلح خطأ، ويستلزم النهي عن اتباعه إذ متبعه يوجد هذا المعنى فيه فيكون مذموما، ويجب الاحتراز عن متابعة من يمكن وجود ذلك منه لاشتمال اتباعه على الخوف والضرر المظنون ودفعهما واجب، وغير المعصوم يجوز منه ذلك، بل يكون إمكان فعله وعدمه متساويين إذ داعي الأمر وصارف النفي غير موجبين، ويعارضهم دواعي الشهوة والغضب وهما يقتضيان الترجيح كالأولين فيتعارض الأسباب بل يترجح كثيرا (1). الثانية في غير المعصوم، فيجب ترك اتباع غير المعصوم (2) ولا شئ من الإمام يجب ترك اتباعه لوجوب اتباعه فكان يلزم اجتماع الضدين وهما ينتجان من الثاني لا شئ من غير المعصوم بإمام (3) وهو المطلوب.
الثامن والعشرون: قوله تعالى: * (" وما يضل به إلا الفاسقين " " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) * وجه الاستدلال به ما تقدم في الوجه السابق (4).

(1) ويمكن أن نستفيد منها وجها ثالثا، وهو نقول: إن مع هذا الاختلاف في الكتاب وتعدد الآراء في دلالته كيف يكون هدى، ومن ثم ضلت فرق كثيرة من الإسلام مع أن مصدرها الكتاب، وهذه الضلالات لا يريدها اللطيف سبحانه فلا بد أنه جعل للكتاب مبينا ومفسرا يرفع اللبس والريب والشك في تفسيره وبيانه، ويجعل منه الهدى لأهل التقى والصلاح، الذين يريدون فهم - الكتاب حقيقة والعمل فيه دون أهل الزيغ الذين يريدون اتباع المتشابه ويحاولون المنزع للخلاف.
(2) على أن غير المعصوم بفرد واحد حتى نحتمل مطابقة أحكامه وآرائه جميعا للشريعة، بل هم كثر ومختلفون في المشرب والمذهب، وباختلافهم تحصل المخالفة يقينا للشريعة، وبذلك يحصل الفساد، على أنهم يزعمون أنهم مصلحون، ولا يجوز أتباع من يحتمل في أتباعه للفساد، فكيف بمن يعتقد فيه الفساد؟ لأن المفروض أنهم جميعا أئمة يجب اتباعهم وباتباعهم جميعا نقع في المخالفة المنتجة للفساد، ولا نجاة من الفساد إلا باتباع المعصوم.
(3) لأنه إذا قلنا: الإمام يجب اتباعه، ولا شئ من غير المعصوم يجب اتباعه، تكون النتيجة:
لا شئ من غير المعصوم بإمام.
(4) وتقريبه أن نقول: إن هؤلاء الخاسرين كيف نعرف خسرانهم وأنهم يفسدون في الأرض ويخالفون أوامر الله سبحانه؟ فإن الكتاب والسنة لا يوضحان لنا تلك المخالفة التي عليها هؤلاء ما دام لدلالتهما وجوه واحتمالات، وما دام فيهما متشابه، فإذن لا مفر من الضلالة إلا بأن يكون معصوم يعلم التأويل.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست